الثلاثاء، مارس 10، 2020

العلامة الدكتور محمد لقمان السلفي : حياة حافلة بالأعمال الخالدة تستوجب الحزن على الفراق

ثناءالله صادق التيمي،  مكة المكرمة  

كان شيخنا مريضا منذ أيام و كنا نبتهل إلى الله الذي بيده ملكوت السموات و الأرض أن يشفيه و يعطيه العافية من عنده  و لكن الله شاء أن ينقله من هذه الدنيا الفانية إلى الدنيا الباقية فقد توفي والدنا العلامة الدكتور محمد لقمان السلفي في 5 من شهر مارس 2020 فحزنا على فراقه حزنا شديدا و ما كان يصبرنا إلا إيماننا بالله و بقضائه و قدره و كان هذا الحزن الشديد مؤلما لأنه كان علما من أعلام الأمة و كان مفسرا محدثا فقيها أديبا و رجل الدعوة إلى الله قضى حياته في خدمة دين الله و أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقد ترك خلفه تراثا علميا أدبيا و جامعة إسلامية تعنى بتربية الجيل المسلم في ولاية بيهار في الهند في منطقة نائية منعزلة عن وسائل الحياة و زخارفها فحول هذه المنطقة ذات خمول إلى مدينة العلم مع صيت عالمي .

حزننا على فراقه لأنه سعد بالمواطنة السعودية و الجنسية و حصل على وظيفة تدر مالا و توفر عيشا هنيئا و لكنه لم ينس وطنه و ما يحتاج إليه مواطنوه من الرجوع إلى الكتاب والسنة والتمسك بأهداب العقيدة الإسلامية الصحيحة و التحلي بالعلم النافع الذي يكسبهم حماسا دينيا و لا يحرمهم من الدنيا و ما فيها مما لم يمنع الدين من الاستفادة منه .
حزننا على فراقه لأنه كان داعيا إلى الإسلام الخالص الخالي من تلوثات التصوف و إضافات فقهية عقيمة و خرافات لا تزيد إلا ضلالا و خسرانا فصنف و ألف و حقق و ترجم و نشر ما يفي بمراده بهذا الصدد.

حزننا على فراقه لأنه فسر القرآن و ترجم معانيه إلى اللغة الأردية لغة معظم السلمين في شبه القارة الهندية فأحسن و بلغ رسالة الله الخالدة إلى من لا يعرف اللغة العربية و ركز على التوحيد و رد الشرك بأسلوبه القوي الآخذ بمجامع القلوب و أصبح تيسير الرحمان لبيان القرآن مما يعرف به في الأوساط العامة والعلمية.

حزننا على فراقه لأنه أحب الرسول محمد بن عبدالله الهاشمي حبا شديدا فكتب الصادق الأمين لا بالحبر بل بالقلب و بالروح و دافع عن حياض السنة بكل ما أوتي من مواهب و قوة فأعد بحثا علميا حول " اهتمام المحدثين بنقد الحديث سندا و متنا و دحض مزاعم المستشرقين و أتباعهم " و صار مرجعا مهما لكل من يريد نصر السنة و تفنيد آراء المستشرقين المعاندين للإسلام كما سبق أنه أعد بحثا حول " مكانة السنة في التشريع الإسلامي " فأحسن و أفاد .

حزننا على فراقه لأنه ألف في الفقه فلم يسر على ما اعتاده الناس بل أراد أن يجعل الفقه يدور حول النصوص من الكتاب والسنة بدون التفات إلى ما أصله الأصوليون و جعلوا الفقه كأنه شىء آخر غير فهم الكتاب والسنة فسمى ما ألفه " السعي الحثيث إلى فقه أهل الحديث"

حزننا على فراقه لأنه لما سرد حياته في " كاروان حيات" سرد حياة عدد من العلما المجددين السلفيين بأسلوب كله حب و حماس و غيرة على الحق و كراهية عميقة ضد الباطل و بذلك أصبحت هذه السيرة الذاتية سير العلماء العاملين في حقل الدعوة الحقة.

حزننا على فراقه لأنه ما أسس جامعة الإمام ابن تيمية و قام عليها يديرها خير إدارة في حسن انتظام كما أسست الجامعات الكثيرة الأخرى بل لأنه نفخ فيها من روحه فأصبحت قلعة دينية تنشر الدين الخالص و تعد الجيل المؤمن بتراثه الديني الفخور بانتمائه إلى الحق .

حزننا على فراقه لأنه شعر بحاجات المجتمع فأسس كلية خديجة الكبرى لتعليم البنات و بذلك أحدث ثورة دينية عظيمة , و أخرج فتيات متحليات بالعلم الشرعي المتفانيات في سبيل الدعوة إلى الله و أصبحت البيوت تبتعد من الخرافات و البدعات.

حزننا على فراقه لأنه استشعر قبل كثير من القائمين على المدارس الدينية بحاجة ربط الدين بالدنيا فأدخل في المقررات الدراسية الموضوعات الجديدة كالرياضة و العلم و اللغة الانكليزية بل و جعل الانكليزية مادة إلزامية و كان له أثر بالغ في الطلبة الذين تخرجوا منها.

حزننا على فراقه لأنه بادر إلى أعمال نافعة كثيرة كإنشاء مدرسة جديدة في جو إسلامي لكي لا ينحط المسلمون في الهند في ميادين العلم و المعرفة ولكي لا يصلوا إلى الرفعة فيها على حساب معتقداتهم ودينهم فكانت " مدرسة الدكتور محمد لقمان العامة " للإيفاء بهذا الغرض السامي النبيل.
حزنناعلى فراقه لأنه أسس جامعة الإمام ابن تيمية فأراد أن تكون أحسن الجامعات الدينية في الهند جلب إليها علماء أكفاء بارزين لكي يتم إعداد الدعاة أصحاب الكفاءات و عمرها بمكتبة عظيمة و زينها بكتب و مجلات علمية عالمية في مختلف اللغات و في مختلف الفنون تنبئ عن خبرته العلمية و أفقه الوسيع ففاقت المكتبات الكثيرة في الهند و كل المكتبات في ولاية بيهار ما عدا مكتبة خدا بخش ببتنه.

حزننا على فراقه لأنه كان يحب اللغة العربية و يعطيها مكانها اللائق بها فكان قد ألزم المدرسين في العالمية و الفضيلة في جامعة الإمام ابن تيمية التدريس باللغة العربية و أعد سلسلة ذهبية للقرائة العربية في 12 مجلدا لغير الناطقين بها فكان عملا يثاب عليه فقد استفاد منه كثير من طلبة الجامعة و غيرهم و مازالوا يروون غليلهم العلمي بها.

حزننا على فراقه لأنه لم يكن رجلا عاديا كان عبقريا عصاميا يعمل ليل نهار لإسداء الخير إلى الناس فلا يضيع من وقته شيئا يكتب و يؤلف و يترجم و يشرف على الأعمال العلمية و ينشر تراث السلف و مع ذلك يدير جامعة الإمام إبن تيمية كأحسن ما يمكن.

حزننا على فراقه لأننا فقدنا من كان يحبنا كحب الوالد لولده و يشرفنا و يصحح أخطائنا و مع أنه كان على قمة من العلم و العمل كان لا يغضب لبعض المناقشات الدائرة بينه و بيننا بل و يعطينا الفرصة لإظهار ما عندنا من الرأي.

حزننا على فراقه لأن حياته كانت حافلة بالأعمال العلمية و العملية و كانت خيرا للمسلمين و للدعوة الحقة.
حزننا على فراقه لأن وفاة العلماء خسارة و شعرنا بهذه الخسارة في سويداء قلوبنا 

فاللهم يا رب اغفر له و ارحمه و اجعل الجنة مثواه فإنه كان عبدك لقمان صالحا يحبك و يحبك دينك الحنيف و رسولك المختار وقضى حياته كلها في خدمة الإسلام و المسلمين.

ليست هناك تعليقات: