الجمعة، فبراير 12، 2010

استعراض أدبي لتأليف الدكتور محمد لقمان السلفي حول السيرة الطيبة"الصادق الأمين"

إن السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلوات والسلام مشعل نور ومنبع هداية ومصباح يزيح الظلما ت ومرجع لكل خير وفضیلة إنها تفسير للقرآن الكريم وشرح للرسالة السماوية الغراء ودليل ومرشد في العقيدة والعبادات والمعاملات، ومن أعظم نعم الله سبحانه وتعالى على الإنسانية، إن مزاياها العالية ومشاعل نورها المستنيرة كانت ولاتزال أعظم مُرَبٍّ للأجيال المسلمة عبر العصور وأقوى العناصر تأثيرا في النفس والعقل في كل زمان ومكان وقدوة حسنة ومثالا يحتذي به حتى تقوم الساعة، بعث الله نبيه رحمة للعالمين وهداية للانسانية ورسول الأخوة والمحبة والمساواة للناس كافة، جاء نبينا في عصر كان العالم كله فيه مليئا بجميع أنواع الأمراض المزمنة التي تفتك بالبشرية كلها،القوي كان يقتل الضعيف ويظلمه والحكومات القوية كانت تغير على الحكومات والشعوب الضعيف، فقام نبي الرحمة بدعوة الناس إلى الإسلام والسلام والأمن والأخوة والعدل والمساواة والمحبة، إنه دعا الإنسانية كلها في مشارق الأرض ومغاربها إلى عبادة الله الواحد الأحد لينصهروا في بوتقة الإسلام -
إن السيرة النبوية نعمة كبرى وثروة هائلة لعباد الله وهي الرابطة الأقوى بعد كتاب الله لربط المسلمين بدينهم وعقيدتهم ولذلك اشتغل به الكتاب الإسلاميون من الأئمة والمحدثين والمؤرخين منذ أن بزغ فجر الإسلام وسطعت شمسه، حاول الكُتّابُ في كل عصر ومصر لنيل لآلي السيرة الطيبة وجمع جواهرها الغالية وحظى كل مؤلف وكاتب عن السيرة قدر عقله وتعمقه في العلم وقدم المعلومات وفق مؤهلاته وقوة إدراكه حتى ألفت آلاف الكتب عن السيرة النبوية المحمودة، ولكن بحور السيرة النبوية لا تزال مليئة باللآلي والجواهر القيمة الغالية ولاتزال الكتابة من السيرة مستمرة وسوف تستمر حتى تقوم الساعة-
يعتَبر الدكتور محمد لقمان السلفي على رأس المؤلفين الذين قدموا أغلى الهدايا وأجملها للحبيب المصطفى وسعى أن تكون هديته ذات جمال خلاب وحسن أخاذ، يعتبر فضيلته من الذين امتازوا في جمع الأزهار والورود والرياحين من حديقة السيرة النبوية وبساتينها.إن كتابه القيم حول السيرة النبوية وسيلة مهمة لتربية النفس وتزكيتها وإنارة العقول والقلوب. وقد نال مُؤلَّفاه حول السيرة " الصادق الأمين" و"سيرة سيد المرسلين" شهرة كثيرة وصيتا حسنا في الدوائر العلمية والدعوية وفي المدارس والجامعات. وسوف أقوم في هذه المقالة باستعراض أدبي لتأليفه حول السيرة النبوية "الصادق الأمين". ويجدر بي أن أذكر نبذة عن المؤلف قبل بداية الاستعراض . ،
تعريف لمؤلف الكتاب:
هوالداعية الإسلامي الكبير وكاتب شهيرفضيلة الدكتور أبو عبدالله محمد لقمان بن محمد بن ياسين بن سلامة الله بن عبدالكريم الصديقي السلفي، مؤسّس ورئيس جامعة الإمام ابن تيمية ومركز العلامة ابن باز للدراسات الإسلامية بالهند والمشرف العام على مجلة الفرقان العربية الصادرة باللغة العربية ومجلة طوبى الأردية، قام الدكتور بدور بارز في مجال التأليف والتصنيف والخطابة والصحافة والدعوة والإرشاد।ومن بين إنجازاته الكثيرة بناء صرح علمي كبير لتربية الجيل الجديد وتثقيفهم وهو جامعة الإمام ابن تيمية التي تقوم بدور بارز في تثقيف الطلاب والطالبات وتسليحهم بسلاح العلم والمعرفة وإعدادهم لنشر الدعوة الإسلامية السمحة، كان الدكتور طالبا مثاليا منذ نعومة أظفاره ومُجداً في الدراسة، حصل العلوم الإسلامية من الفقه والحديث والتفسير وغيرها بالجامعة الإسلامية الشهيرة " دارالعلوم الأحمدية السلفية" بدربنجة وحصل على شهادة العالمية فيها। ونظرا إلى مؤهلاته العلمية تم ترشيحه للحصول على منحة دراسية للدراسة في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في عام 1382هـ، حيث تلقى العلوم الدينية فيها على أيدي كبار علمائها وتدرج حتى حصل على شهادة الليسانس من كلية الشريعة فيها। ومن خواص شيوخه فيها الإمام العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز والمحدث العلامة محمد ناصر الدين الألباني والعلامة محمد الأمين الشنقيطي والمحدث محمد الجوندلوي رحمهم الله والعلامة عبدالغفار حسن الرحماني رحمهم الله انتقل الدكتور بعد إكماله البكالوريس في عام 1387هـ إلى مدينة الرياض وتعاقد مع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد للعمل مترجمًا في إدارة الدعوة في الخارج، والتحق بالمعهد العالي للقضاء للدراسة في الفترة المسائية وحصل فيه على شهادة ماجستير في القضاء بعد دراسة استمرت لمدة ثلاث سنوات وإعداد رسالة علمية قدّمها عن حجّية السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي।وبعد فترة حصل على درجة دكتوراه من كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عن رسالة علمية عنوانها: اهتمام المحدثين بنقد الحديث سندًا ومتنًا والردّ على شبه المستشرقين وأتباعهم. وإن بحثه هذا يعتبر مرجعَ الباحثين وطلبة العلم والأساتذة حول نقد الحديث ودحض مزاعم المستشرقين.وقد أسس الدكتور مع مجموعة من الدعاة الكبار في سنة 1409هـ جامعة إسلامية أهلية سماها شيخه عبدالعزيز بن باز رحمه الله"جامعة الإمام ابن تيمية" ثم اتبعها بفتح مركز للدراسات الإسلامية ولإعداد الكتب الدعوية في لغات شتّى في حرم الجامعة المنوّة عنها وسمّاه باسم شيخه بموافقة شفهية منه رحمه الله. وهذه الجامعة تُعتَبر من أهم الجامعات الأهلية الإسلامية في شبه القارة الهندية، كما أنّ مركز العلامة ابن باز للدراسات الإسلامية أخذت تتدفق منه الكتب والبحوث في لغات مختلفة في اللغة العربية والإنجليزية والأردية والهندية.وقد واصل عمله الدعوي في رئاسة البحوث العلمية والإفتاء بمدينة الرياض حتى وصل إلى درجة كبير الباحثين فيها ثم تقاعد قبل سنتين. وفضيلته يُشرف على "دار الداعي للنشر والتوزيع" بالرياض التي هي وقف على الجامعة والمركز
ومن أهم مؤلفاته:
تيسير الرحمن لبيان القرآن (ترجمة وتفسير باللغة الأردية، طبع ثماني طبعات خلال عدة سنوات)
فيوض العلام على تفسير آيات الأحكام
اهتمام المحدثين بنقد الحديث سندًا ومتنًا والرد على شبه المستشرقين وأتباعهم
مكانة السنة وحجيتها في التشريع الإسلامي،
الصادق الأمين (في سيرة سيد المرسلين، باللغتين العربية والأردية)،
سيد المرسلين (أعِدَّ هذا الكتاب لمنهج الجامعة الدراسي) باللغتين العربية والأردية،
رش البرد شرح الأدب المفرد للإمام البخاري
القراءة العربية لتعليم اللغة العربية، 12 كتابًا (منهج متكامل لتعليم اللغة العربية من الابتدائية إلى الفضيلة)
أركان الإسلام
تحقيق ودراسة واستخراج الأحكام الفقهية على فتح العلام للإمام صدق حسن خان
تحفة الكرام شرح بلوغ المرام، باللغتين العربية والأردية،
رحلة مريم جميلة الأمريكية من الكفر إلى الإسلام (ترجمة من الإنجليزية)
بالاضافة إلى البحوث والمقالات وغيرها، وللدكتور محمد لقمان السلفي علاقة وطيدة مع رابطة الأدب الإسلامي العالمية ويُشيد دائماً بجهودها لبث الأفكار الزكية وتربيةالناس تربية دينية عن طريق الأدب من النثر والنظم والفصاحة والبلاغة والتعبيرات الأنيقة الرائعة-
استعراض الكتاب
"الصادق الأمين"تأليف قَيِّم وجامع حول السيرة النبوية المباركة الطيبة، ذكر المؤلف فيه سيرة النبي الأمين وأطوار حياته الشخصية والعائلية والاجتماعية ابتداءاً من ولادته ورضاعته وطفولته ومروراً بكيفية زواجه والغزوات والسرايا ودعوة الناس إلى الإسلام وانتهاءاً إلى فتح البلدان وخصائص السيرة النبوية ومزاياها الأخرى بأسلوب رائع انيق،
اختار منهجا أدبيا وعلميا ودعويا في تأليفه كما يذكر:
" فتوكلت على الله وبدأت بحمده واسمه ودخلت في حدائق السيرة النبوية وبساتينها، واقتطفت منها الأزهار الطرية الغضة التي لم تذبل على مر الدهور، ولم يطرأ عليها الاضمحلال رغم مرور مئات السنين، وسعيت بكل جهدي وصنعت عِقداً من تلك الأزاهير حسب ترتيبي وذوقي الخاص، كما فعل كثيرون آخرون قبلي، وقدمت سيرته المباركة المرحومة على ما تيسر لي ترتيبها وتنسيقها، وحسبما وفقني الله لاستنباط كثير من الفوائد والمنافع منها"। (ص 8)
ومن أهم المراجع التي اعتمد عليها المؤلف هي القرآن الكريم وكتب السنة التي تذخر بكم هائل من المعلومات حول شخصية النبي وأخلاقه وجميع شؤون حياته। وكذلك استفاد المؤلف من الكتب التي الفت في اللغات العربية والانجليزية والأردية من اتحاف الورى بأخبار أم القرى، وأسد الغابة في معرفة الصحابة، وأخلاق النبي، وأزواج النبي، وتاريخ الإسلام للذهبي، وتاريخ ابن خلدون، وتاريخ العرب قبل الإسلام، وتحفة الأحوذي، وتحفة الأشراف، وتذكرة الحفاظ، ودلائل النبوة، والجامع الصحيح للسيرة النبوية، والدر المنثور، ورحمة للعالمين، والرحيق المختوم، والسيرة النوية، وغزوات الرسول، والكامل في التاريخ، وكتاب المغازي، والموسوعة الميسرة في الأديان والأحزاب والمذاهب المعاصرة وغيرها। وكذلك استفاد عن الكتب السماوية وما ذكر فيها من البشارات عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك الكتب التي عنيت بوصف العصر الجاهلي والديانات السابقة والمذاهب القديمة
وحرص المؤلف عند سرد الوقائع من كتب السنة وكتب التاريخ والسيرة أن ينقلها كما رويت على لسان الصحابة وتابعيهم رضوان الله علهم أجمعين। ووضع في الكتاب صوراً فوتوغرافية لرسائل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم التي وجهها إلى بعض الملوك ورؤساء البلاد، ودعاهم فيها إلى الدخول في الإسلام وكذلك اختار مجموعة من الخرائط التاريخية التي توضح كثيرا من الخطط الحربية في الغزوات التي قادها النبي صلى الله عليه وسلم
وقام المؤلف بسرد الخصائص والمزايا للسيرة النبوية بأسلوب أدبي رائع أنيق। إن كتابه هذا تأليف ممتاز جامع حول السيرة، كتبه بأسلوب سهل جذاب ممتع.
وقام المؤلف بتخريج الآيات والأحاديث في هامش الكتاب। إنه حاول لإبلاغ هذه الرسالة عن طريق كتاباته بأن السيرة النبوية الزكية لهي أعظم مرب لأفكار المسلمين وإن عناصرها أقوي العناصر التربوية وأكثرها تأثيرا في النفس والعقل بعد القرآن الكريم.
والموضوعات التي شملها المؤلف في كتابه أهمها: شبه الجزيرة العربية، سكان الجزيرة، مكة وسكانها الأولون، ثلاثة وقائع هامة في حياة عبدالمطلب، التجمعات والإمارات العربية، الحياة السياسية لأولئك العرب، الحياة الاجتماعية والاقتصادية والدينية للعرب، اليهودية والنصرانية في البلاد العربية، العصر الجاهلي أحط الأدوار من تاريخ الأمم، نبذ مختصرة عن الديانات والمجتمعات غير العربية، الهند ودياناتها، حاجة العالم إلى المبعوث: رحمة للعالمين، البشارات بالبعثة المحمدية ، المزايا التي أهلت جزيرة العرب لتكون مبعثا لخاتم النبيين، النسب الزكي للنبي الكريم، والدا رسول الله، أحوال الرسول من مولده إلى بعثته نبيا ورسولا، مرضعاته وحاضناته، في كفالة أبي طالب، تكامل شخصيته لتلقى رسالة الله الخالدة، البعثة وبدء الوحي، الدعوة إلى الله سرا، الجهر بالدعوة إلى الله، الهجرة إلى الحبشة، حمزة وعمر رضي الله عنهما يدخلان في الإسلام، مؤامرة قريش لقتل الرسول علنا، بدء عرض الإسلام على بعض أهل المدينة، الإسراء بالرسول من مكة إلى بيت المقدس ثم عروجه من هناك إلى السموات، بيعة العقبة الثانية، هجرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، المدينة المنورة عند هجرة النبي إليها، التحول الجذري في المجتمع المدني بالإسلام، الغزوات وبعث السرايا قبل غزوة بدرالكبرى، وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم للسرايا، وقفة لبيان ظهور النفاق بين اليهود والمشركين، غزوة بدرالكبرى، سرايا وغزوات في أعقاب البدر، غزوة بني قينقاع، غزوة أحد، غزوة حمراء الأسد، غزوة بني النضير، غزوة بني المصطلق، غزوة الخندق، غزوة بني قريظة، غزوة الحديبية، غزوة خيبر، غزوة مؤته، غزوة فتح مكة، السرايا من مكة، غزوة حنين، غزوة الطائف، غزوة تبوك، القبائل العربية تفد إلى المدينة تترى، حجة االوداع، تجهيز جيش أسامة بن زيد إلى الشام، مرض الرسول ووفاته، بعض وصايا لأمته قبل وفاته، أسرة النبي الكريم، صفات النبي الكريم الظاهرة وشمائله وأخلاقه، خصائص النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، معجزات النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وغيرها
وقد ذكر المؤلف في كتابه جميع تفاصيل السيرة بأسلوب ممتع جذاب، وحاول توضيح جميع أجزاء السيرة توضيحا جامعا ومانعا ولذلك ذكر المباحث الضمنية تحت المباحث الرئيسة مثلا يذكر تحت "أسرة النبي الكريم" هذه المباحث الضمنية: زوجاته صلى الله عليه وسلم، تعدد زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، أسبابه وحكمه، التفكير الغربي المصاب بالعهر والدعارة ليس بميزان لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، بناته صلى الله عليه وسلم، ابنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين رضي الله عنهما। وكذلك يذكر تحت جميع المباحث الرئيسية المباحث الضمنية ويذكر فيها التفاصيل حول السيرة بأسلوب رائع وممتع. يطمئن القارئ بعد قراءة هذه التفاصيل ويجد أجوبة لجميع أسئلته حول الموضوع. اعتنى المؤلف بالصدق والعدالة وقت بيان جميع الأحداث والوقائع حول السيرة. إنه قام بالبحث والتحقيق عند جمع المعلومات من المصادر والمراجع كي لا تدخل المعلومات الواهية في كتابه ولذلك صار تأليفه هذا كتابا قيما حول الموضوع.قدم المؤلف المعلومات القيمة حول جميع أجزاء السيرة النبوية بأسلوب هادئ ورصين سواء كان تصوير العصر الجاهلي أو بيان الأديان واستعراضها، سواء كان ولادة النبي الكريم اوبعثته، أو كان دعوة الناس إلى الإسلام أو ذكر الغزوات والسرايا وغيرها،
لذلك عندما يقرأ الإنسان الكتاب فيستنير به في دروب حياته ويحتذي به في جميع أطوار الحياة.فقرأ كاتب هذه السطور الكتب العديدة حول السيرة ولكن هذا الكتاب قام بتحويل جذري في قلبي ونفسي وأحسست بأن المؤلف قدم كل كلمة من هذا الكتاب بالحب الوافر من النبي الكريم والقلب الخفاق. حاول المؤلف أن ينشئ في القراء صلة دائمة وثيقة بالدين والعقيدة كي يقفوا عند كل إنارة نبوية ويحفظوه في أذهانهم। لم يكتف المؤلف ببيان السيرة النبوية كطريقة عادية فحسب بل ذكر الفوائد الفقهية حينما دعت الحاجة إليها. فمثلا يذكر ثلاثة عشر من الفوائد الفقهية وحكمها في ضمن قصة الحديبية وهي: إذن النبي للكعب بن عجرة وهو محرم أن يحلق رأسه لأذى أصابه، فوران الماء من بين أصابع رسول الله أمثال العيون، جواز العمرة في أشهر الحج، إذن النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة بالصلاة في منازلهم عندما نزلت المطر، بيان كفر من يقول: مطرنا بنوء كذا وكذا، جواز التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم مثل التوضؤ بماء وضوئه وهو خاص به، طلب الإمام صلح العدو إذا رأى المصلحة للمسلمين فيه مع وجود بعض الضيم فيه على المسلمين وغيرها من الفوائد والحكم. وهذا يدل على مؤهلات الدكتور الفقهية وشغفه الكبير في فن الحديث واستنباط المسائل والعثور على النكات المهمة الفقهية.لا شكّ أنّ أسلوب كتاب الدكتور أدبي رائع مائع. ذكر جميع تفاصيل السيرة في تعبير شيّق، وجمل رائعة، وفصاحة نادرة، وبلاغة كاملة وأسلوب ساحر جذاب.
أذكر فيما يلي بعض الاقتباسات من كتابه التي يدل على مؤهلاته النادرة وقوة بيانه الفائقة:إنه يكتب دفاعاً عن تعدد زوجات النبي وردا على التفكير الغربي في هذا الصدد قائلا:
" ثم يأتي المستشرقون الحاقدون من اليهود والنصارى ويريدون- لتحقيق أهدافهم الساقطة – أن يخضعوا الحياة الزوجية في البلاد العربية والأحكام العائلية في الشريعة الإسلامية لموازينهم المريضة ومقاييسهم المصابة بمرض العهر والدعارة، ويطلقون أحكامهم الجائرة ( التي ليس المسلمون بحاجة في أي حالة إليها) على أحكام النكاح والطلاق في الإسلام وبالأخص على موضوع تعدد زوجات الرسول ليلقوا في أذهان السذج من الناس أن نبي الإسلام لم يكن كفؤا لحمل الرسالة السماوية। أخرس الله أفواههم (ص: 473)
وكذلك يذكر محاولة المنافقين لاغتيال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قائلاً:
"ولم تتوقف مؤامرات المنافقين ضد الإسلام وضد رسول الإسلام وتربصهم الشر بهما منذ أن أعلن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة أنه منطلق إلى تبوك، وقد مرَّ ذكر لمزهم فقراء المسلمين الذين جاءوا بما قدروا عليه من الصدقات لمشاركتهم في تجهيز جيش العسرة، وقيامهم بحرب دعائية عند إعلان النفير إلى تبوك، وتخلف عبدالله بن أبي وعسكره عن النبي صلى الله عليه وسلم في سفره إلى تبوك।ومن مؤامراتهم الدنيئة محاولتهم اغتيال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روي أبوالطفيل رضي الله عنه قال: لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أمر مناديا فنادى: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخِذٌ بالعقبة فلا يأخذها أحد، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوده حذيفة ويسوقه عمار، إذ أقبل رهط مُتَلَثِّمون على الرواحل، فغشوا عمارا وهو يسوق برسول الله، وأقبل عمار يضرب وجوه الرواحل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحذيفة: قد قدحتى هبط رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوادي، فلما هبط ورجع عمار قال: ياعمار هل عرفت القوم ؟ قال: قد عرفت عامة الرواحل، والقوم مُتَلَثِّمون، فقال: هل تدري ما أرادوا ؟ قال: الله ورسوله أعلم . قال أرادوا أن ُيَنِّفروا برسول الله فيطرحوه". ( ص: 664)
إن المؤلف قد أزال بعض التهم التي تلصق بالنبي الكريم بناءا على بعض الروايات الضعيفة والآثار التافهة، وجدير بالذكر واحدة منها قام المؤلف برفع الستار عنهاوذلك عن طريق دفاع هذه التهمة بأن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عمد على قتل نفسه بإلقاءه من فوق الجبال بعدما فتر الوحي فترة، فيكتب ردا على هذه التهمة قائلا:
"كنت أقرأ هذه الرواية التي نسب فيها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ظلما وزوراً وبهتاناً ) أنه صلى الله عليه وسلم عقد عزمه على قتل نفسه بإلقاء نفسه من فوق الجبل، وكان عقلي يأبى من قبوله، لأنه لايمكن أن يصدر مثل هذا التفكير المريض إلا من شخص مريض عقلياً। لأن الرجل العاقل الرزين الهادئ يواجه الظروف الصعبة بتعقل، ويسعى جاهدا للتغلب عليها، ولايفكر أبدا مثل هذا التفكير المريض الذي يدل أن صاحبه ليس برجل مواقف وأنه لايستأهل أي احترام وإكبار، هذا بالنسبة إلى الرجل العاقل العادي، فكيف إذا نسب مثل هذا التفكير المريض المشين إلى خاتم الأنبياء والمرسلين الذي اعتبره عقلاء الدنيا أعقل الناس كما مرَّ عند ذكر صفاته صلى الله عليه وسلم.إذاً نسبة هذا التهور المريض إلى النبي صلى الله عليه وسلم مُزوَّرة وباطلة، أيا كان السبب وأيا كان ذلك المزوِّر وأيا كان غرضه، والذي يعلم أصول المحدثين لنقد متون الحديث من غير النظر إلى أسانيدها، وقد ذكرها العلامة ابن القيم في كتابه المعروف " المنار المنيف" وقد فَصَّلتُها تفصيلا كاملا في كتابي " اهتمام المحدثين بنقد الحديث سنداً ومتناً" فالذي علم تلك الأصول وتدرب عليها ومارسها في ضوء الأمثلة التي ذكرها أئمة علل الحديث، لا يصعب عليه فهم هذه الحقيقة وإدراك الأمر بأن نسبة التفكير في قتل النبي صلى الله عليه وسلم بإلقائه نفسه من فوق الجبال باطلة تماماً" (ص: 154)
هذه الاقتباسات تشير إلى أسلوب الدكتور الأدبي وتعبيره الأنيق ومؤهلاته العلمية الفائقة. لقد استخدم المؤلف أسلوباً شيّقاً وجذاباً لذكر جميع أجزاء السيرة الطيبة وحياته المباركة . إنه تطلب من المسلمين في كتاباته أن يكونوا على صلة دائمة وثيقة بسيرة الرسول قراءة ودراسة وعوداً إليها مرة بعد أخرى ويستنيروا بنورها في دروب الحياة.
وفيما يلى أذكر بعض المزايا والخصائص القيمة لتأليف الدكتور
(1)ذكرالمؤلف شخصية النبي الكريم العالمية والتاريخية في أسلوب علمي رصين.
(2) كل كلمة من هذا الكتاب تشير إلى أن قلب المؤلف مليئ بحب النبي الكريم الوافر ويرغب في إدخال هذا الحب في قلوب جميع القارئين
(3) تم إعداد هذا الكتاب وفق مستوى الدعاة والمبلغين، وطلبة العلم والباحثين، والأساتذة في الجامعات والمدارس الدينية والعصرية كى يستفيد كل واحد من هذا الكتاب استفادة كاملة
(4)احترز المؤلف من أي نوع من الغلو والمبالغة وقت تقديم الورود والأزهار المليئة بالحب الوافرفي خدمة النبي الكريم ولم يتزعزع صلته بالموضوع والأسلوب العلمي والديانة العلمية। وهذه الميزة لايتمتع بها إلا بعض الباحثين الكبار.
(5) دَقَّق المؤلف جميع أجزاء السيرة قبل ذكرها في كتابه
(6)من المراجع المهمة التي اعتمد عليها المؤلف هي القرآن الكريم وكتب السنة والكتب التي ألفت في اللغات العربية والإنجليزية والأردية حول السيرة والكتب التي ذُكِرت فيها البشارات عن النبي صلى الله عليه وسلم
(7) حرص المؤلف عند سرد الوقائع من كتب السنة وكتب التاريخ والسيرة أن ينقلها كما رويت على لسان الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين من غير تنميق أو تحبير
(8) وضع المؤلف صورا فوتوغرافية لرسائل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم التي وجهها إلى بعض الملوك ورؤساء البلاد
(9) اختار المؤلف في كتابه حوالي 27 من الخرائط التاريخية التي توضح الأمكنة التي وقعت فيها المعارك الجهادية وتبين الخطط الحربية في الغزوات التي قادها النبي صلى الله عليه وصلم وتوضح الأماكن والمدن والمواقع والجهات المهمة التي تشرفت بزيارة النبي الأمين لها
(10)حاول المؤلف من خلال كتابه إبلاغ الرسالة بأن السيرة أعظم مُرَبٍّ للبشرية كافة وعناصرها أقوى العناصر التربوية وأكثرها تأثيرا في النفس والعقل بعد القرآن الكريم، ولذلك يجب علينا أن ندرس السيرة بهذه الوجهة
(11) ذكر المؤلف في كتابه الفوائد الفقهية وحُكمَها حينما دعت الحاجة إليها وهذا يُشير إلى كفاءات المؤلف الفقهية البالغة
(12) قام المؤلف بالرد على مطاعن المستشرقين وشُبُهاتهم حول السيرة وحول أمهات المؤمنين ودين الإسلام بدلائل علمية قوية
(13) كتاباته المليئة بالحب الوافر للنبي الكريم والعاطفة الصادقة نحوه وسيلة مهمة لتصقيل النفس وتزكيتها ولربط شباب الإسلام بدينهم وبماضيهم الباهر
(14)أسلوب كتاب المؤلف من البداية حتى النهاية شيّق رائع سهل وسلس، لذلك عندما يبدأ القارئ قراءته، ينساق معه لوقت طويل ويستفيد من اللئاليء والجواهر المنتشرة فيه।خلاصة القول: هذا كتاب قيم وجامع حول السيرة. يمتاز بين كتب السيرة بأسلوبه العلمي والأدبي وأنصح جميع محبي السيرة أن يقرءوه ويُجَدِّدوا عهدهم بربهم ويستفيدوا من لئالئها القيمة المثالية.
بقلم : ظل الرحمن التيمي الباحث في مركز الدراسات العربية والإفريقية جامعة جواهر لال نهرو- نيودلهي
البريد الالكتروني: zrtaimi@co.in

هناك 4 تعليقات:

Safat Alam Taimi يقول...

الأخ الكريم ظل الرحمن ! أحسنت وبارك الله فيك

أبو مروان يقول...

كتاب الدكتور كتاب مفيد، وهو ككتب أخرى في السيرة النبوية، ولكن لا يتبين من مقال الأخ الفاضل ومما أورد فيه من اقتباسات أنه يتحلى بحماليات أدبية، بل هو دون الرحيق المختوم أسلوبا وحسن بيان وتنسيق.

Safat Alam Taimi يقول...

أبو مروان! لك رأى والكاتب له رأى ولسنا بالمقارنة بين كتاب "الرحيق المختوم" و كتاب " الصادق الأمين" نقدر كلا من مشائخنا وجهودهم التي بذلوها لخدمة ديننا الحنيف ونحاول أن نحذو حذوهم .

ظل الرحمن التيمي يقول...

أحسنت يا للأخ الفاضل صفات في انطباعاتك حول رأي الأخ أبومروان،
أما بالنسبة لأفضلية كتاب سعادة الدكتور حول السيرة النبوية فحينما قرأت مقالتي على الاستعراض الأدبي لكتاب الدكتور على السيرة النبوية في المؤتمر العالمي في أورنغ آباد والتي تم انعقاده في إشراف رابطة الأدب الإسلامي العالمي ، وترأسه الأستاذ الفاضل والأديب البارع فضيلة الشيخ سعيد الرحمن الأعظمي الندوي ، فكان من انطباعات سعادة الرئيس والباحثين الكبار المشاركين في الجلسة بأن كتاب الدكتور أفضل وأفضل شئي أسلوبا وكتابة وشمولا ، وشهد بتوفق كتاب الدكتور عدد من الباحثين البارعين ولذلك أقول بأنه يتحلى بجماليات أدبية لما له من مزايا وخصائض رائعة أنيقة ، وأما ذكر أي كتاب قائلا بأن كتاب الدكتور دونه فأقول بأن الكتاب المذكور في انطباعات الأخ أبومروان ليس قرآنا من حيث جميع الكتب التي يتم تأليفها إلى يوم الساعة تكون دونه.