السبت، يناير 26، 2013

الاعتداء على المراءة واغتصابها في المجتمع الهندي


ثناء الله صادق التيمي 
الباحث في مركزالدراسات العربية والإفريقية
جامعة جواهر لال نهرو نيو دلهي


شهدت عاصمة الهند حادثة مؤلمة للاغتصاب الجماعي في سيارة متحركة وذهبت ضحيتها طالبة في العلاج الطبيعي. هذه الحادثة هزت البلاد بل العالم وحركت من ساكن أهالي البلاد ودفعت بأصحاب الفكر والرأي إلى إعمال أفكارهم حول قضية الاغتصاب الجماعي والاعتداء على النساء وتطبيق الحدود والمعاقبات الشديدة ضدها ، وليست الحادثة بدعة من أمرها ، فإن الهند الديمقراطية تجرب مثل هذه الحوادث كل يوم لمرات عديدة ، والحادثة التي وقعت في عاصمة الهند ، أحدثت ضجة وغوغاء بخلاف الحوادث الأخرى التي يتراكم حدوثها في المجتمع الهندي الديمقراطي ولكن لا يلتفت إليها أحد.
وما إن حدثت هذه الفاجعة المؤلمة الخطيرة حتى وأسرع المفكرون ورجال السياسة وأصحاب المنظمات غير السياسية التي تعمل لتحسين أحوال المرأة وتحريرها من براثن الأسرة والحياة العادية الطاهرة إلى الإدانة الشديدة لها ، وقاموا بمطالبة العواقب الوخيمة للمجرمين ، وكانت الآراء بهذا الخصوص متفاوتة متباينة ، فقد طالب كثير منهم بإعدام المغتصبين كما ذهب الآخرون إلى أن الإعدام ليس حلا مناسبا ، فلا بدمن اتخاذ وسائل أخرى للقضاء على هذه الأوبئة الاجتماعية ، كما عدها بعض الناس نتيجة حتمية لسلوكيات المرأة وعدم ستر أجسامها بشكل مناسب ، وفي مثل هذه الأحوال قام بعض عباد الله الساذجين برفع أصواتهم لتطبيق الحد الإسلامي على المغتصبين بغض النظر عن المجتمع الهندي و ما فيه من عادات غير إسلامية.
هذا وقد انتهز المؤيدون والدعاة إلى تحرير المرأة هذه الفرصة لبيان آرائهم المنحرفة الضالة ، إذ خرجوا في الطريق ، كتبوا المقالات وشاركوا في المناقشات واستدلوا بهذه الواقعة لتحرير المرأة في الاقتصاد وفي التعليم وفي اللباس وتحسين وسائل الأمن في البلاد وما إليها ولكن الحق الذي ظهر جليا ، أنه لم يكن هناك أحد يحب الأمن والسعادة للمرأة حقاً.
هذا صحيح إلى حد ، أن المرأة كانت ولاتزال تواجه مشاكل مختلفة وأنها لا تتمتع بما تستحقها من الحقوق والتسهيلات الأساسية وأنها غير مامونة فلا تعرف متى سيغصب عرضها وتتعرض للاغتصاب ، وهذا يسخر من العالم المتطور ويقهقه عليه ولكن أين الحل وما هو؟؟؟
يؤكد الشيوعيون و مؤيدو الحضارة الجديدة بأن الرجل والمرأة متساويان ، ولا فرق فيما بين حقوقهما وأن الرجل يكيد بتوريط المرأة في السلوكيات الخلقية الخاصة ولاسيما حينما يرسخ في صدرها عن أهمية عفافتها وعرضها ، والمرأة تستحق الحرية الكاملة وتتأهل لها ، وأنه لا يجوز لأحد أن ينكر عليها فيما تلبس ، وفيما تتفكر ، وفيما تحبه وتجعله خليلا ، وفميا تعيش ، ولا تسلط عليها وظيفة الأم والأخت والزوجة بل يحترمها الإنسان لأنها إنسان ولا شيئ بعد ذلك ، ولو ظلمها أحد أو اعتدى عليها أو اغتصبها ، يعاقب معاقبة شديدة دون الإعدام ، ويسعى الجميع لدرء المخافة ، مخافة العرض والعفاف من أذهان المرأة ، حتى تستطيع أن تجسد حقوقها وتحصل عليها بكرامة ، كما يجب على الرجال أن يمهدوا الطريق للمرأة على أساس الانتصاف لمشاركتها في كل مجال وبالأخص في البرلمان.
تتجلى هذه الأفكار فيما كتبه 
The Hindu 
الصحيفة اليومية باللغة الإنجليزية التي تنشر من مختلف ولايات الهند بتاريخ 30 ديسمبر 2012م على الصفحة الأولى : 
But when if the six are hanged, and even if our legislators, in a fit of conveniently misplaced concern, prescribe the death penalty for rape, the pathology we are dealing with will not be easily remedied …….. it is this leader less vacuum that ordinary citizens must step into in order to affirm the right of women. The right to be born and fed the right to dress and travel and love as they please.
وهناك فكر آخر عكس هذا الفكر ولكنه ليس فكرا ، بل هو انحراف فكري ، وخلل في الدماغ واضطراب في الخلق ، وهذا الفكر يبري الرجل كل ما يقوم به من الظلم والجور على المرأة ، ويحمل على المرأة مسؤولية كل شنيع ، وهذا إن لم يكن فكرا ،غير أنه يتوافر في المجتمع الهندي الراهن.
وعلى عكس هذه الأفكار الضالة والعمليات المنحرفة ، هناك فكر وعقيدة تتأهل كل التأهل للحفاظ على المرأة وكرامتها ألا وهي نظرية الإسلام المنجية المنقذة من الضلال ، وفي نظر الإسلام ، الإنسان بما فيه الرجل والمرأة من خلق الله تبارك وتعالى ، أرسلهما إلى هذه الدنيا ليستحقا بالأعمال الحسنة الجنة في الأخرة ، إن هذه الدنيا فانية والحياة حياة الآخرة ، يجب على الرجل والمرأة أن يركز جهودهما لإقامة العدل والإنصاف في الأرض بدل الظلم والتعسف. إن الرجل يقضي ضرورة المرأة كما تقضي المرأة ضرورة الرجل وهما ذرائع مهمة لسكون الآخر والسعادة وهما سواء في كونهما انسانا غير أن واجباتهما تختلف حسب فطرتهما ومتطلبات الجسد. فالمرأة تتحمل مسؤولية البيت وتربية الأولاد وإدارة الشؤون المنزلية والرجل يتولى مسؤولية توفير الرزق وفضل الله ولا يعنى هذا أن المرأة إذا اجتهدت للحصول على العلم أو اشتغلت بالتجارة ، أخطأت ، اللهم إلا أنها من الضروري أن تلتزم بالحجاب كلما تذهب خارج البيت ولا تتبرج تبرج الجاهلية الأولى ، وكذلك يرشد الإسلام الرجل أن ينكح إذا بلغ واستطاع الباءة ، ويوجب على أولياء المرأة نكاحها إذا بلغت من سن البلوغ بمن يرضون دينه وخلقه ،كما يكلف الإنسان الرجل والمرأة سواء بسواء لغض النظر والحفاظ على الفروج ، والعفاف ليس مطلوبا من المرأة فقط بل هو للرجل أيضا متاع كريم لا يستهان به.
ويجدر بالذكر أن التوجيهات الإسلامية وهداياته السمحة ليست منحصرة على الأمور الاجتماعية فقط ، فإن الإسلام دين منزل من الله وليس نظرية أو فكرا تأسس على أيدي الرجال أو النساء ، ولأجل ذلك يقدم حلا مقنعا لجميع معضلات الحياة وألغازها ، فالإسلام أولا وقبل كل شيء يدعو إلى الاعتقاد بالله القادر القوي المتصرف في الكون ، القابض على حياة الإنسان ، يفعل ما يريد ، والدنيا مزرعة الآخرة ، والإنسان يثاب على كل عمل قام به ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، فإما الجنة دار القرار وإما النار دار العذاب ، وهذا معلوم بالضرورة بأن الإيمان بالله واليوم الآخر أهم الوسائل لمنع الإنسان من التورط في الآثام والفساد ، ثم إن الإسلام يغلق كل باب ينفتح على الإثم والعدوان كالاختلاط بين الرجل والمرأة وما إلى ذلك ، وبعد هذه المراحل كلها يدعو إلى تطبيق الحد الإسلامي المتمثل في رجم الزانية المحصنة والزاني المحصن ومئة جلد للزاني غير المحصن وتغريب عام ومئة جلدة للزانية غير المحصنة.
ومن هنا يتضح خطأ أولئك الذين يطالبون بتطبيق الحد الإسلامي على الزنا في الهند ، لأن للحد الإسلامي خلفيته وبيئته الإسلامية ، فلو أننا قمنا بتكوين مجتمع إسلامي يعيش المرأ في حده والمرأة تعيش في دائرتها ، إذن تأتي الحدود الإسلامية بالنتائج المطلوبة وإلا فلا.
وأغرب ما في هذه القضية، عدم قيام أحد بالإنكار على الحضارة الماجنة ورفض التبرج والسفور والفاحشة الفاشية الغالبة في كل شئي ، فإن شبكة الانترنت والتليفزيون والأفلام وما إليها كل هذه الوسائل مسخرة لنشر الفوضى والفاحشة في المجتمع.
وهذه الحضارة تقدم المرأة كمتاع يباع ويشتري ، فليس هناك إنتاج تكنولوجي أو زراعي أو متعلق بالشؤون الأخرى إلا وهناك امرأة خلابة في لباس غير ساترة ، فهذه المناظر الداعية إلى الفاحشة وتقديم النساء كالزينة ومتاع يتمتع بها ، إذن فلماذا هذه الغوغاء والضجة والصراخ على ما وقع ويقع من الحوادث ؟؟ على ما أيها الإنسان على ما ؟؟؟
فلو أن الإنسان يحب الأمن والحل للمستجدات والقضايا فعليه أن يستعرض هذه القضية لمرة أخرى ويقلب النظر على النظر ويمعن في الحل لأن المرأة الموظفة تواجه الاستبداد الجنسي والنساء خارج البيوت غير محفوظة وسلوكيات الرجل وميوله مع المرأة غير عادلة ، فإنه من الحق أن الحل لا يكمن في الاحتجاجات ولا في رمي التهم إلى الحكومة ولافي الإصرار على تحرير المرأة الكامل اللامتناهي ، إن هؤلاء الذين يدعون إلى تحرير المرأة ويريدون أن يندفعن إلى التكاتف مع الرجال في كل ميدان ، إنهم ينسون أن المرأة تختلف في مقتضياتها الفطرية وأن لها ميولا نفسانية أخرى وأنها لا تساوي الرجل لافي بنيتها الجسدية ولا في شعورها وذهنها.
فلو استقر في الانسان خوف من الله ورغبته في الحصول على الجنة وتنفر عن نار جهنم ، وتم تحليه بالتربية الإسلامية الخلقية فلا يصعب تكوين مجتمع صالح متوازن يعيش كل إنسان في دائرته ويتمتع بالسعادة الغامرة وليس هناك أي نظام يوفر الحل المقنع العادل المستقل لهذه المشاكل والقضايا ما سوى الإسلام الذي يضمن للإنسانية السعادة كلها ، ومع أن المجتمع الهندي ليس مجتمعا إسلاميا ، غير أن الحد الإسلامي لو تم تطبيقه ليأتي بالخير الكثير بالنسبة إلى القوانين الأخرى ، ولا يُنسى أن الحد الإسلامي ليأتي بالأثر المرجو المتوقع ، إذا كانت المساعي تبذل لتكوين البيئة الإسلامية والمجتمع الإسلامي المثيل أيضا.
وأما الفكر الشيوعي والنظرية الإلحادية فهي نظرية مهلكة وغير عملية أيضا. إن الفكر الشيوعي يؤمن بأن الإنسان إنتاج المجتمع وأن ميوله الجنسية الجامحة بدون أي قيد خلقي أوديني ضرورة له ، لابد أن يكون له اختيار في شرب الخمر ، إنه من المستبعد أن يفهم إلى أين يريد هذا الفكر أن يدفع بالإنسان ويكون المجتمع من أي طراز ، إنه يريد أن يجعل مجتمعا لا يعتقد في عفاف المرأة وعصمتها ، يبذل المجهود لنشر الفاحشة والتبرج ويحافظ على حرية الرجل والمرأة في عملية الزنا إذا كانت بالرضا وعلاوة على ذلك لا يؤمن بالله ولا يعتقد في الآخرة وبعد ذلك يتفكر الإنسان بأن المجتمع سيكون مصونا محفوظا. إن الفكر الإنساني ممتلئ بالتباينات وهناك أمثلة كثيرة للتضاد غير أن هذا تضاد لا يكاد الرجل يعثر على مثله.

ليست هناك تعليقات: