السبت، مارس 29، 2014

الإلحاد: وسائله ، وخطره ، وسبل مواجهته

                   تأليف:د.صالح بن عبد العزيزبن عثمان سندي                              
تلخيص وتهذيب:سيف الرحمان حفظ الرحمان التيمي

إن الدلائل في السماء والأرض وما بينهما أكثر من أن تحصى على أن الله هو الذي خلق السماء بغير عمد، وزينها بمصابيح، وجعل الشمس والقمروالنجوم مسخرات بأمره، وهو الذي مد الأرض وفرشها، وجعل فيها رواسي وأنهارا، وهو الذي خلق الإنس وأنشأ السمع والأبصار والأفئدة، وبيده ملكوت كل شيئ وهو يجير ولا يجار عليه، وإنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون.
وكل ما  تراه العيون، وتسمعه الآذان، وتعقله القلوب، وتحسه الحواس فهو دليل بيّن ناطق على ربوبيته، وألوهيته، وكمال صفاته، فما من شيئ لا محسوس ولا مرئيّ إلا وله فيه دليل يشهد بأنه هو الذي لا إله إلا هو؛ المتفرد في ربوبيته ،والمتوحد في ألوهيته، والكامل في أسمائه وصفاته فهو أحق من جميع ما سواه بأن يعبد لا شريك له، واستحقاقه هذا للعبودية أظهر من الشمس للأبصار:
وليس يصح في الأذهان شيئ                   إذا احتاج النهار إلى دليل
ومع أن قضية الألوهية والربوبية أظهر القضايا وأبينها إلى هذا الحد إلا أنه وُجد شذّاذ ينكرونها فبعداً للظالمين الجاحدين جحداً منكراً حتى صار جهدهم فتنة تخشى و وباء يفشى وبالأخص بالنسبة لناشئة المسلمين وشبابهم حيث يتعرضون للإلحاد فكراً وخُلقاً ويكادون أن يقعوا في قعر الدهرية فهم على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم.
وعلى هذا فكان من مقتضيات العصر أن نقف في وجه هذه الفتنة النكراء ونواجهها بشدة حتى لا تبقي  المساحة فارغة والفرصة متاحة كي يقع الشباب من الأمة في حبالهم ومكيدهم وذلك- بإذن الله -الجهاد الفكري مقابل الحرب الفكري.
الإلحاد: الإلحاد عبارة عن إنكار وجود الله تعالى؛ والملحدون عندهم لا خالق للكون فهم يكفرون بالله وبالرسل بتمام الجزم، وبعضهم يشكون في وجود رب فيقولون لا ندري، فهم "اللا أدرية".
ومعظم الملحدين لا يلحدون إلا لعدم قناعتهم بأدلة وجود الله ، ولهذا قلّ في قديم الزمان من أنكر الخالق وألحد، فلم يلق إنكار الخالق رواجاً بين الناس وفي هذا يقول المؤرٍّخ بلوتارخ: "لقد وجدت في التاريخ مدن بلا حصون، ومدن بلا قصور، ومدن بلا مدارس، ولكن لم توجد أبداً مدن بلا معابد".
وقد انعكس الأمر في العصر الحديث، فقد بدأت بوادر تيارات أعلنت نفي وجود الخالٍق، ومما زاد ذلك انتشاراً وقبولاً التطور العلمي والتكنولوجي، وقيام العلماء بتحليل الظواهر العلمية والنفسية والإقتصادية والاجتماعية بطريق ليس لاعتقاد الخالق فيها أثر كما ساهم في هذا الأمر الموقف الهش للديانة النصرانية في القرون الوسطى وما تلاها.
وبدأ الإلحاد المعاصر في الغرب حتى انتصر سريعاً وأخذ بريق الإلحاد يتوهج بعد فترة ركود من سقوط الإلحاد السوفيتي، فتذكر الإحصاءات لمؤسسات متخصصة في استطلاع الرأي أن 18 % من سكان أوروبا في عام 2005م، و 43% في كندا عام 2011م، و 65% من اليابانيين عام 2006م، وأكثر من 5,2% في المكسيك قد أصبحوا ملاحدة، وتوصلت قناة بي بي سي إلى أن 9% من الأمريكان ملاحدة، والجامعات الأمريكية مرتع خصب لانتشار هذا التيار.
هذا كله عند غير المسلمين، وأما العالم الإسلامي فقد دخل إليه الإلحاد في ثوبه المعاصر مدعوماً من الاستعمار ومغطى بغطاء التغريب والتحرر والعقلانية بدايةً والإلحاد نهايةً، فالعالم الإسلامي على وشك التأثر الحتمي بالمد الإلحادي لوجود التقارب والتواصل بين الأمم في العصر الراهن.
المدارس الإلحادية: ليس هناك مدرسة تجمع تحت لوائها كل الملحدين، ولكنهم اتجاهان:
1ـ علمي تجريبي                                      2ـ فكري فلسفي
وعنهما نشأت المدارس العديدة في نوعها الوحيدة في أصلها وهدفها؛ منها:
-       العلمانية: تأسيس  المجتمع  على  أسس  مادية  لا علاقة  للدين  بها.
-       الوجودية: إبراز حرية الفرد وقدرته على أن يفعل ما يريد.
-       الوضعية: إنكار أي معرفة تتجاوز التجربة الحسية.
-       الشيوعية: إنكار وجود إله خالق وإثبات الحياة مادةً أزليةً.
-       الداروينية: نظرية التطور والارتقاء.
-       عبدة الشيطان: مدرسة وصلت إلى عقر دار المسلمين ولا هدف لها في الحياة إلا التمرد واللذة.
وعند بعض الباحثين ينقسم الإلحاد على ثلاثة أقسام بحسب الدافع إليه:
1ـ الإلحاد العاطفي: دافعه استشكال للقدر.
2ـ الإلحاد المادي النفعي: دافعه الرغبة في اللذة والشهوة.
3ـ الإلحاد العقلي العلمي: دافعه العلوم والفلسفة.
وهي كلها ملة واحدة ألا وهي إنكار وجود الباري سبحانه ، والإلحاد إن كان متشعباً و واسعاً من حيث الكلام إلاّ أسعى ان أحصر مهماته في أربعة محاور حتى يمكن تلخيص شتاته وتوضيح معانيه ، وذلك حسب ما يلي:
المحور الأول: أسباب الإلحاد
الإلحاد ينافي الفطرة ، وينافر العقل ، ومع ذلك فقد انتشر في العالم وحتى في العالم الإسلامي ، وذلك لأسباب تختفي وراء ذلك ، من أهمها:
1-             الهزيمة الحضارية والنظر إلى الغرب بعين الإعجاب والإنكار.
2-             عدم فهم قضية القضاء والقدر على وجهها الصحيح.
3-             غسيل العقول الذي يتعرض له من يسكن بين الكفار ويتعامل معهم.
4-             حب الشهوات وموت النفس اللوامة.
5-             الجهل بدين الإسلام ومحاسنه
كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ                         و الماء  فوق  ظهورها محمول
6-     كبر النفس: "إن في صدورهم إلا كبر ماهم ببالغيه" (غافر: 56)؛ ومما نتج عن الكبر من الثمرات الشنيعة هو الكذب بدين الله، والإعراض عن الاستماع للحق، و الفرح بما عنده من العلوم الكاسدة، وتقليد أئمة الضلال، ونهايةً زيغ القلوب "فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم" (الصف:5).
المحور الثاني: دعائم الإلحاد ومرتكزاته، والنهج الذي قام عليه الفكر الإلحادي
ليس للملاحدة نظرية متكاملة وإنما يقوم الإلحاد على ظنون وافتراضات لا تقنع عقلاً ولا تشفي غليلاً؛ ومما ظهر من التتبع أن منهجهم يرجع إلى مرتكزين؛ وههنا نخوض في بيانهما حتى يتسنى لنا الحق من الباطل ويتجلى الحابل من النابل.
المرتكز الأول: النظريات العلمية التجريبية
النظريات العلمية التجريبية التي يعتمد عليها الملاحدة هي بالإستقراء نوعان:
1-     نظريات علمية غير صحيحة: كثير من أمثال هذه النظريات بدأت تخبو لتحل محلها نظريات تتفق والحقائق الإيمانية الدينية ، وسيأتي التمثيل لها.
2-             نظريات علمية صحيحة: لكنها ليست تعليلاً لوجود الكون بدون خالق ومدبر كما يزعمون.
منشأ الخلل: أنهم لم ينفذوا من الأسباب إلى مسببها ومن المخلوقات إلى خالقها.
من أهم تلك النظريات:
1-             نظرية داروين: أساسها أن أصل الأحياء كان واحداً وهو الخلية البسيطة ، ثم أخذت الخلية ترتقي من طور إلى طور حتى نشأ الإنسان وبقية الكائنات، وهذا ماعبّر عنه بـ"بقاء الأصلح".
والنظرية باطلة وأوجه بطلانها تتلخص فيما يلي:
أنها لم تفسر جميع ظواهر الحياة في الكون مثل نشأت الحشرات وتطور الطيور، وقد عجز أصحابها عن بيان كيفية إنتقال الحياة من جماد إلى كائنات حية، ولما أن النظرية معتمدة على أن أصل الإنسان قرد لوجود تشابه بينهما ، فهنا يبقى لهم سوال: لماذا لا يكون الإنسان متطوراً من فأر وليس من قرد؛ إذ هما يشتركان في كثير من الأمراض كالسرطان؟ وهنالك عديد من الأسئلة يطرح عليهم ولا جواب عندهم إلا الاعتذار بعذر عجيب.
باختصار: إنها نظرية هشة متداعية.
2-     نظرية الانفجار العظيم: وهي عبارة عن وجود الكون بسبب انفجار مفاجئ من كرية بسيطة ذات خلية واحدة وذلك قبل 15 مليار سنة.
وهذا مثل أن نعتقد ببناء مبنى كامل بمحض رمي الحجارة خلف ظهورنا واحدة تلو الأخرى ، وأيضاً مثل أن نضع الآلة الكاتبة أمام طفل يعبث بها ثم نأمل بكتابة مقالة مرتبة منهجية حول موضوع خاص؛ وليس هذا سوى الادّعاء بلا برهان ، وعلى هذا لا نجد جواباً منهم لأي سؤال يطرح عليهم سوى أن يقولوا: حدث هذا صدفةً وتلقائياً!
ومن هنا تتضح مصداقية ما قاله الذهبي: "لعن الله الذكاء بلا إيمان ، ورضي الله عن البلادة مع التقوى" (سير أعلام النبلاء:14/62)، وهذا أيضاً مما تخالفه الفطرة على وجه باتٍّ حيث تصرّ الفطرة على أن لكل حادث محدثاً وأن لكل مخلوق خالقاً ، كما أبان القرآن عن هذه الحقيقة "أم خلقوا من غير شيئ أم هم الخالقون أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون" (الطور:35، 36).
المرتكزالثاني: النظريات الفلسفية
من أهمها:
1-     تعظيم العقل: فعندهم العقل معيار للموجودات ، فيقبلون ما تقرّ به عقولهم ويدركه حسهم ، وينكرون جميع ما سواه أياً كان ، وهم في ذلك مخالفون للعقل والحس إذ هما أضعف من أن يحيطا بكل شيئ علماً، فكما جعل الله لأبصار العيون حداً محدوداً من دونها حجاباً مستوراً فكذلك جعل لأبصار القلوب غاية لا يجاوزها وحدوداً لا يتعداها كما قال به ابن عباس رضي الله عنه (الإبانة لابن بطة:1/422).
وأقوي دليل على ذلك ما يؤمن به علماء العالم من نظريات الجاذبية ، والإلكترون ، والأثير ، والطبيعة الذرية مع أنهم لم يروها بأعينهم ولم يحسوها بحاستهم ، فعدم رؤيتنا لله وعدم ادراكنا لحقيقته لا يعني عدم وجوده تبارك وتعاليٍ.
وهم -أنفسهم- متناقضٍون في قاعدتهم من عدة أوجه ومنهجهم غير متماسك ليس له حاكم إلا الهوى ،فيكذبون بالشيئ ويصدقون نظيره مثل إنكارهم لخلق آدم من طين وإثباتهم لوجود البشر من خلية ،فإنكار من وجه إثبات من وجه آخر.
2-     قاعدة الشك: الشك لحمة الإلحاد وسداه ، وهذا الذي يسعى الملاحدة جهدهم إلى غرسه في نفوس اٍلناشئة ، وهم يطالبون من وصل إلى برد اليقين أن يشك لأجل أن يتيقن بعد ذلك! إنما ذلك بمثابة أن يقال لإنسان: اشرب السم لتجرب الترياق بعده ، وهل يفعل ذلك عاقل؟ والعجيب أنهم -أنفسهم- أكثر الناس معارضة لهذه القاعدة فهم يقولون بالتشكيك من جانب وفي نفس الوقت يتمسكون بمنهج الإلحاد غاية التمسك من جانب آخر ، فيشكون فيما يعادونه ولا يشكون فيما يعتقدونه ولو للحظة.
ومهما يكن من شيئ؛ فمنهج الشك ينتج القلق والاضطرار بدايةً ويسبب الانتحار نهايةً ، ويدل على ذلك الإحصاءات العالمية التي تتحدث عن نسبة طردية بين الإلحاد والانتحار ، صدق الله جل وعلى: "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً" (طه: 124).
3-     قضية القدر: فقد زعموا أنّ حصول الشر والقلاقل والمتناقضات في العالم دليل على انتفاء وجود الرب القدير وعلى أنّ الكون عبثيّ ليس له مدبر ، وهذا راجع إلى جهلهم لأنّ وقوع البلاء والمحن في الحياة راجع إلى قاعدة الابتلاء الذي يهذب به الرب عباده ويكفرهم ويثيبهم "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً" (الملك: 2) ، وما من شر إلا قدره الله لما فيه من خير ومصلحة إما للعبد وإما لغيره ، علمه أو جهله.
4-             تلبيسات ومغالطات عقلية:
عندما يناظرهم المسلم ويبين أن كل حادث فلا بد له من محدث ، فيسأل بغباء: سلمنا بأن الله خلق كل شيئ ، فمن خلق الله؟ ثم يلبس ويقول: هل يستطيع الله خلق صخرة لا يستطيع حملها؟كما هو يشغب على المسلمين برفضهٍ مثل حديث سجود الشمس تحت العرش بأن يقول: لا يمكن قبوله عقلاً! ٍ
وهدف هذه الأمثلة وأمثالها تشكيك المؤمن في قدرة الله وبالتالي تشكيكه في وجوده .
وأما أهل الإيمان فليس عندهم أدني شك لا في التسليم لهذاالحديث ولا في قدرة الله اللامحدودية فمن خلق الشمس من عدم فهو قادر علي علي جعلها تسجد،ومن خلق الصخرة من عدم فهو قادرعلي خلقها في  أي حجم مهما بلغ في الكبر،تعالي الله عما يقولون علواكبيرا.
فطالمايسلكون مسلك المغالطة والتلبيس والطعن والتشويس ويحكمون علي الاسلام بما لا يقتضيه ، ويدخلون البيوت من غير أبوابها، فيخبطون خبط عشواء.
المحور الثالث:وسائل نشرالإلحاد
الواقع يشهد أن الملاحدة ناشطون أكثر بكثير في نشر باطلهم ، وبالأخص في محيط أبناء المسلمين، وذلك لما يشعر الملحد من غربة في العالم الإسلامي فيريد تخفيفها حتى تخف عنه الغربة، ولأنه لو كثر عددهم وعلا صوتهم لاستطاعوا التأثير في الواقع بحسب أهوائهم، حتى تطمئن نفوسهم بانضمام الآخرين إلى ركبهم.
أما عن وسائل نشر الإلحاد فهي كثيرة، منها:
1-     الكتب الإلحادية: الملاحدة لا يألون جهداً في نشرها عن إي طريق ممكن صريح أو خفي، وبهذا يلقون فريستهم إلى ساحر الإلحاد.
2-             القنوات الفضائية: فهم يعرضون مفاهيم إلحادية عن طريق حوارات وأفلام وبرامج علمية وثائقية.
3-             اللقاءات المباشرة مع الشباب: وهي أكثر الوسائل إقبالاً عليها باسم "صوالين ثقافية".
وتبقى وسيلتان هما الأخطر في غزو عقول الشباب و الناشئة:
الوسيلة الأولى: الإنترنت: وهناك وسائل جمة لتوظيفها في نشر الإلحاد، منها:
-   الأول: شبكة التواصل الاجتماعي كتويتر وفيسبوك: وهي موجه ثقافي بالغ التأثير فالملاحدة ينتهجون منها شتي المناهج لنقل نظرياتهم، وتمجيد أساطين الإلحاد، وبث الشبه الماكرة والاستهزاء بالدين.
-   الثاني: مواقع الفيديو: من أشهرها يوتيوب، فهم يبثون مقاطع إلحادية ويجعلون لها عناوين جذابة يكثر بحث الشباب عنها.
-   الثالث: المنتديات العامة: فهم يقتنصون فريستهم من خلال "التفرس" ثم "التأنيس" ثم "التشكيك" ثم "التأسيس"، فيسلكون مسلك التدريج من التواصل عبر البريد إلى المحادثة المباشرة "الشات" وهكذا يستمر حتى يصبح صيداً سهلاً في أيديهم فيسقطونه في المستنقع الآسن.
-   الرابع: المدونات والمواقع الإلحادية: وهي السم الزعاف، فمن خلال بحث يسير يمكن الاطلاع على عدد ضخم من هذا النوع من المواقع؛ فمن وقع فيها وتعرض لمبثوثاتها فلن يخرج كما دخل، لأنه لديهم تلبيسات تنشب أظفارها في قلوب الأغرار، والمعصوم من عصمه الله.
الوسيلة الثانية: الروايات
الروايات المنحرفة عقدياً رسالة موجهة في قالب قصصي، وهذا النوع مما كثر ميلان الشباب والفتيات إليه، وغالباً ما ينفذ الملاحدة -خلال هذه الروايات- من مشكلة القدر حتى يلقوا المتلقي إلى باب الإلحاد أو يقربوا المسافة إليه.
المحور الرابع: وسائل المواجهة
ربما يقول قائل: يقلّ الملاحدة في المجتمع المسلم، فلماذا هذا التضخيم؟ والجواب: ما الذي يدريه أن الإلحاد قليل؟ بل الواقع أسوء مما نتوهم بكثير، وإن نسلم أنه قليل فهو بمثابة وباء في بلد يهلك الحرث والنسل، فمن الحكمة – هذا الحين- أن تستنفر جميع القوى والإمكانات لدفع هذا الوباء، وإذا كان الاحتراز من هذا المكان في أوبئة الدنيا، فما الحال في وباء جحد الخالق الباري، وهو أعظم وباء وأخطربلاء.
إن وسائل مواجهة الإلحاد كثيرة، لكن يجب أولاًو قبل كل شيئ أن نتنبّه لتقصير وزيغ يحصل من ذوي المسؤلية التربوية والعلمية والدعوية إذ هو سبب أصيل في ذلك بالنسبة للناشئة، وإن هذا الانتباه سيؤدي إلى الاجتهاد في الوقوف أمام المد الإلحادي "ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين" (الأنفال:18).
سبل المواجهة على صنفين؛ سبل وقاية، وسبل علاج
أما سبل الوقاية فتهدف إلى بذل الأسباب الحائلة بين الشباب المسلم وبين الوقوع في براثن الإلحاد، ومنها:
1-             العكوف على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم تلاوةً وتدبراً ،كمافي الآية (آل عمران: 101)
2-             السعي في الوصول إلى ذوق طعم الإيمان و وجدان حلاوته كمل في الحديث(صحيح مسلم: رقم؛57)
3-             غرس العقيدة الصحيحة في النفوس والتربية على أن المواد الشرعية هي الأصل والأجدر بالاهتمام
4-             تقوية الإيمان بمعية الله للمؤمنين وعدم زوال نعمه لهم ثم الإيمان بمنقلبهم إلى الجنة في الآخرة
5-     الترشيد الثقافي بالأخص فيما يتعلق بشبكة الانترنت؛لأن من أعظم الأخطارأن يسمح للناشئ أن يبحر في الشبكة كيف شاء، ولن يتحقق هذاالهدف إلا بتوطيد العلاقة فيما بين الأسرة ليكون المجال مفتوحاًفيما بينهم لدفع الشبهة وإزالة الشك حينمايتعرض أحدهم بأحدهما.
6-             تأصيل المنهج الشرعي في التعامل مع الشبهات، وهو أن الشبهة داء وفتنة ولاينبغي التعرض لهما.
7-     رعاية شباب المسلمين المبتعثين في بلاد الكفرو وذلك بوضع البرامج الهادفة لتحصين الشباب وتوعيتهم وتحذيرهم وزيارتهم وتعاهدهم من وقت لآخر، قبل ابتعاثهم وبعد ذهابهم على السواء، لئلا يُتركوا صيداً سهلاً للملاحدة ودعواتهم الهدامة وهم ضعفاء حدثاء.
8-             السعي الحثيث لتجفيف منابع الإلحاد واجتثاث أسبابه.
9-             إقامة حكم الله فيمن وقع في هذا الكفر الشنيع.
10-       الالتزام بوصايا النبوية؛ ومنها خمسة أوصى علماء الإسلام بتعلمها والالتزام بها لناشئة المسلمين، و وهي:
-       أولاً: أن يقول: آمنت بالله وبرسله
-       ثانياً: أن يقول: الله أحد الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد
-       ثالثاً: أن يتفل عن يساره بعد هذا القول ثلاثاً
-       رابعاً: أن يستعيذ بالله من الشيطان
-   خامساً: أن ينتهي عن الوساوس؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قدقال: "فإن ذلك يذهب عنه" (أحمد في المسند:رقم:26203)
هذه عشر وسائل للوقاية؛ أما سبل المواجهة للفكر الإلحادي فهو علاج من وقع في حمأته بالفعل، وهو في الغالب أحد رجلين:
-   مسلم عرضت له شبهة إلحادية فوقع في الشك غير أنه لا يدعو إليه ولا يسخر من الشريعة، فيعالج هذا بالمناصحة الإيمانية والعقلية على علم وبصيرة ولا على جهل يزيد الطين بلة.
-       والآخر متمرد يدعو إلى الإلحاد، ويقيم عليه الأدلة ويسخر من الشرعية فيجب الرد عليه.
وثمة ضوابط لابد من مراعاتها في هذا الباب:
1-     الرد على هؤلاء الملاحدة ونقض شبهاتهم تارة بالإعراض والإخمال وتارة بالتصدي والرد وذلك بمقتضى الحال والمآل.
2-             يجب أن يكون الرد محكوماً قوياً وإلا فإن الرد الضعيف يضر أكثر مما ينفع.
3-             أن تبنى الردود على قواعد أهل السنة.
4-     والمناظرة -إن تحتمت- فينبغي أن تكون فردية شخصية لا عامة علنية ما أمكن ذلك وذلك درءً للمفسدة التي يخشى حصولها.
5-             أن يكون المناظر المسلم السائلَ لا المسئول، فإن هذا أنفع في تحقيق المصلحة.
6-             ينبغي ألا يتصدى لمناظرة الملاحدة إلا من أعد عدّته، وأخذ للأمر أهبته.
الخاتمة: هنا مقترحات توضع بين يدي أهل العلم والفضل:
1-             إقامة مؤتمر عن الإلحاد المعاصر ومواجهته والجواب عن شبهات الملاحدة بصورة علمية حكيمة.
2-             إقامة دراسات ميدانية ترصد حجم تأثير الإلحاد وشبهاته على الشباب.
3-             دعوة طلاب الدراساة العليا إلى مواجهة هذا الفكر من خلال أطروحات علمية دقيقة.
4-             دعوة المعتنين بالشبكة من أهل الحق لتصدى الملاحدة وشبهاتهم ما أمكن ذلك.
5-             وضع البرامج والمناهج في -الجامعات- لتأهيل طلاب العلم لمقارعة هذا الفكر.
6-             تدريس الشباب –داخل المقرر- كتاباً يطرح هذا الموضوع بأسلوب حكيم علمي.
وختاماً نسأل الله أن يملأ قلوبنا بحبه، وألسنتنا بذكره، وأن يوفّقنا لطاعته، وأن يعيذنا من الفطن ما ظهر منها وما بطن.
      وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

مع احترامي لكم فإنكم صعبتم السهل وكذلك غيرتم اشياء غيرت المراد والمعاني فيجب على الاقل الاختصار بدون تغيير