السبت، مايو 17، 2014

الوسطية والاعتدال فى التعامل الدعوى

ثناء الله صادق التيمي 
جامعة جواهر لال نهرو - دلهي

 مُلئ القرن التاسع عشر والعشرون فى الهند بالمباحثات والمناقشات حول الديانات والمذاهب الفقهية وكان لفئة أهل الحديث فيها دور فاعل ممتاز. انتهز علماء السلفية هذه الفرصة السانحة لتبليغ رسالة الله إلى عامة الناس مستخدمين هذه المناسبات بغاية من الرزانة والحكمة بدون لجوء إلى العنف أو إثارة الكراهية ضد أية فرقة أو ديانة و مع أن هذه المناسبات حملت فى طياتها بعض السلبيات غير أنها نفعت كثيرا و لاسيما فئة أهل الحديث فى وصولهم إلى الناس و انتشار الفكر السلفي المبني على تعاليم الكتاب و السنة, لأن الدعاة السلفيين تماسكوا بأهداب الوسطية و الحكمة فى الجهود الدعوية فكان الشيخ ثناء الله الأمرتسرى على رأس هذه الجماعة, يقوم و يقعد للحق, يناضل بالحق كل من يخالف الحق والصواب سواء كان المقلدون من البريلويين أو الديوبنديين أو أصحاب المرزائية ـ أتباع مرزا غلام أحمد القاديانى ـ أو المسيحيين أو رجالات الديانة الهندوسية غير أنه كذلك كان يتحالف مع فئات المسلمين الأخرى على قضايا وطنية وتعليمية وما إليها. فكان يرأس جلسات ندوة العلماء بلكناؤ و يفصل بين أعضاءها فى الأمور المختلفة ويشارك فى حفلات جمعية علماء الهند مشاركة فعالة كرئيس لها و صاحب حكم فيها كما كان لايمنعه اختلاف فى المسلك من مؤازرة الفئات المسلمة الأخرى ضد أصحاب الديانات الأخرى الذين كانوا يحاولون النيل من صورة الإسلام الصافية. كذلك نلمس هذه الرزانة و الحكمة البالغة فى إجابات الشيخ القاضى سلمان سليمان المنصورفورى صاحب "رحمة للعالمين" كتاب معروف فى السيرة النبوية ومن أهم ما كتب فى الأردية حول السيرة فى الصحة و الأسلوب الحكيم العالى على شبهات أثيرت من قبل عالم لا يغضب ولا يميل إلى العاطفية بل يزود الرجل بالشعور و يكشف له عما انغلق عليه من الحقائق بغاية من الحكمة و المتانة العلمية.
غير أن هذه الأيام التى نمر بها نسيت هذه الأمثلة الحكيمة أو تقللت هذه الجهود الدعوية الحكيمة و جعلنا نميل إلى العنف و الضيق الفكرى حتى فى القضايا العلمية و الدعوية. و لابد هنا من الاعتراف بأن العاملين بالحديث النبوى فى الهند حققوا بعض النجاح الواضح فى العقيدة و السلوك. فقد تم تطهير العقيدة حول التوحيد من التلوثات الهندوسية و الآثار التصوفية ولاسيما فى الأسماء و الصفات و جعل عامة الناس يدركون أهمية الحديث فى صحته و ضعفه فيسئلون العلماء والدعاة عن صحة الحديث إذا ذكروه فى خطابهم أو بمناسبة أخرى, اللهم إلا أنه حدثت بعض المشاكل جنبا بجنب فقد كثر الميل إلى المباحثات والعنف فيها بدل الحكمة الدعوية لدى بعض العلماء الذين يغضون النظر عما يربط فيما بين المسلمين و يركزون جهودهم على إبراز ما يحدث التفرقة والخلاف فيما بين الأمة و بالتالى فإن الوحدة تكاد أن تنهار و تعم فتاوى الكفر, يطول اللسان و يضيق الصدر و الأعمال تكاد أن تغيب. إن هذه الظاهرة مؤسفة جدا وهى تحمل سموما تهلك الأمة و تقضى على وحدتها كما تضر الدعوة السلفية فى الهند.
وهنا يجدر بنا أن نأخذ هذه القضية, قضية التكفير و العنف من عدة جهات. أما الوجهة الإسلامية فهي واضحة تمام الوضوح بأن الإيمان مجمل و الكفر مفصل و معناه أن الرجل يعتبر مسلما مالم يصدر منه الكفر البواح و اجترأ على إنكار أركان الإيمان أو الإيمان و لقد صرّح أسلاف الأمة بأنه لوتأول أحد و دفعه التأويل إلى إنكار وليس إنكاره مباشرا صريحا, فلا يعد كافرا. فكانوا يؤثرون وجهة واحدة تشير إلى إيمان الرجل وإسلامه على تسع و تسعين وجهة تشير إلى كفره ولأجل ذلك قليلا ما نجد عندهم الجرأة على تكفير أحد.
ويرشدنا فى هذا الطريق العلامة ابن تيمية, فهو على رأس الجماعة السلفية, يدعو إلى العمل بالكتاب و السنة و يجاهد ضد الفرق الباطلة والأفكار غير الإسلامية و الدخيلة و لكنه لا يميل إلى العنف بل يكتب رفع الملام عن الأئمة الأعلام, لبيان أسباب الاختلاف و يبرهن على احترام كل من سلف و خدم الدين. وكذلك يرشدنا الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألبانى محدث العصر ومجدد الأمة جرئ فى الحق لا يخاف لومة لائم و لكنه لا يميل إلى التكفير أو العنف. يستدل بالآيات و الأحاديث وبها يبرهن على موقفه فأين نحن من هولاء الأسلاف؟
ولا يفوتنى أن أذكر هنا سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله فقد عاش حياة دعوية حكيمة, لا يداهن فى سبيل الحق ولا يميل إلى الشدة, حكيم فى أسلوبه, خبير بطرق الدعوة و مسالكها, قدم نموذجا خالدا للحياة الدعوية الحكيمة الناجحة.
ومما لاشك فيه أن الجهل يبيض العنف والتكفير و الكبر يفرخهما. فليس فيهم علماء أكفاء, إنهم أناس سمعوا بعض الخطباء فآمنوا بجهلهم أو أفراد دارسوا القرآن و السنة بدون إرشاد من أستاذ أو عالم فتمسكوا بظاهرهما أو رجال قضوا بعض الأيام فى العالم الإسلامي فمسهم الغرور أو متفرغون فى المدارس لا يعرفون عن حقيقة الدين غير أنهم علماء و مشايخ فى ظنهم و كثيرا ما تخطئ الظنون!!
و المسؤلية ترجع إلى العلماء ذوى المواهب العلمية و التوازن الفكرى فى عدم إنكارهم الشديد على هولاء المتعالين فى الأرض و مما يعجب له أن بعضهم يظنون بأن هذه الجهود و لولم تكن حكيمة لا تخلو من الفوائد, فالصراحة تبدى مالا تبدى الرموز, غير أنهم ينسون أو يتناسون بأن الدعوة إن لم تكن حكيمة ومطابقة بما أتى به الرسول محمد بن عبد الله صلى الله عليه و سلم فلن تكون مفيدة أبدا. فكل من يقبل السلفية بهذه الطريقة الغاضبة الهاجمة سيفقد العمق و يبرز أنعمة التأنى ولا يلبث أن يكفر كل من لا يكون رأيه كرأيه.
هذا, و تثير الفئات الأخرى فى الهند القضايا المتعددة وبها ترمي من التهم الزائفة الى السلفيين. و هذه بلاشك جهود سلبية و لكنها تكشف عن مخاوف الفئات و اضطرابها حول انتشار الفكر السلفى و هذا الأمر ملموس بأن الكثرة الكاثرة تدخل فى السلفية كلما تدارس القرآن و السنة و كلما يسعى أهل الحديث و لا سيما الدعاة منهم إليهم بالحكمة والموعظة الحسنة فتغضب هذه الجماعات وتخاف على مستقبلها وبالأخص الزعماء منهم, ومع هذا فإن ما يقوم به بعض المنتسبين إلى السلفية ردا للفعل من التكفير والتعنيف, لا نبّرره ولاتفتح هذه الظاهرة إلا أبواب الشر و الفساد و التفرقة فيما بين المسلمين.
ومن المؤسف جدا أن الجهود الدعوية السلفية فيما بين المسلمين تتمثل فى الخطابات والحفلات الدينية التى يجسدها الخطباء ونصيبهم من العلم قليل, يثيرون العواطف, يحدثون الغوغاء وبها يكتسبون وتنحرف الأذهان وتسلك سبيل غير المؤمنين فالحاجة ماسة إلى إصلاح هذه الظاهرة الفاسدة المفسدة و إلا فتكون النتائج وخيمة. وهنا يحسن بى أن أشير إلى بعض النقاط لو تم العمل بها ستنفع إن شاء الله.
1-    إسناد مسؤلية الدعوة إلى علماء أكفاء يعرفون أصول الدعوة وحكمتها تحت إشراف عالم أو شيخ يعرف السلفية ومبادئها.
2-    الابتعاد و مقاطعة أولئك الذين يكتسبون بالدعوة ويثيرون العواطف الساذجة ظلما وعدوانا.
3-    بذل الجهود لإحداث ترابط قوي فيما بين العلماء و العوام.
4-     الاهتمام فى المدارس بتاريخ السلفية فى الهند بالإضافة إلى التاريخ الإسلامي ليتعرف الجيل السلفى الجديد بأن السلفية متمثلة فى الوسطية فليست هى مداهنة وليست هى بعنف.
5-    العناية الفائقة بالروح العلمية بالإضافة إلى الجهة الفكرية, حتى تتحقق الأمانى الإيمانية و تخف المباحث الجدلية.
6-    تفتح مراكز لتأهيل الدعاة وتقوم الجمعيات السلفية بتدريب العلماء على الدعوة و التبليغ و تحريا للرفق و الحكمة التى بها تميزت شخصية الرسول صلى الله عليه و سلم. ولله من وراء القصد


هناك تعليق واحد:

Safat Alam Taimi يقول...

رسالة فكرية رزينة تحمل في طياتها التوازن الدعوى والشعور بالمسئولية تجاه الأمة ولعل هذه الكلمات تكون سببا لفهم هذه الظاهرة الخطيرة وإصلاحها التي تكاد تمس العقيدة السلفية في شبه القارة الهندية وهي برىء منها براءة الشمس من اللمس فجزى الله الكاتب خير الجزاء على طرح هذه المادة في أسلوبه الأدبي الجميل و بصمته الرائعة . و نوصيه أن يحافظ على هذه البصمة سائلين الله العلي القدير أن يوفقه لمزيد من النجاح