يبدو أن شيخنا يوسف القرضاوي اختلطت عليه المسائل كثيرا، فأصبح لا يفرق بين القضايا العامة التي تهم المسلمين، والقضايا الخاصة التي هي من شؤون هذا المجتمع وذاك. هذا الخلط، الذي آمل ألا يكون متعمدا ومقصودا، بان واتضح في الرسالة التي قال القرضاوي، عبر موقعه الإلكتروني، إنه أرسلها لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، يدعوه فيها إلى السماح للمرأة بقيادة السيارة، ولعل أول سؤال يتبادر للذهن هنا: هل قيادة المرأة للسيارة أو عدم قيادتها، من القضايا المصيرية للمسلمين حتى يطل فيها القرضاوي أو غيره طالما أنها لا تخصهم من قريب أو بعيد؟
الكلام حول قضية قيادة المرأة الجدلية أشبع نقاشا، ولا يزال، ولا يمكن سوى القول إن هذه القضية تحديداً رفعت من سقف النقاش والاختلاف المحمود في قضايا كانت شبه حساسة لا يفضل التعرض لها، غير أن الجديد هو تدخل الشيخ القطري ـــ المصري في قضية محلية بحتة، حتى لو سعى لإلباسها ثوب الدين عندما قال إن القيادة أصلها حلال إلا إذا جاء ما يحرمها بنص صريح، إذن القرضاوي يصر على تحوير القضية من خلاف مجتمعي إلى خلاف فقهي، بل إن تدخل القرضاوي بهذه الطريقة، يسيس القضية ويبعدها عن أصلها وحقيقتها. أرجو ألا يكون هذا هو هدف الشيخ في تدخله هذا!
لا جدال أن دعوة الشيخ القرضاوي بهذه الطريقة الفجة في أمور داخلية لدولة لا ينتمي لها، وفي هذا التوقيت بالذات، تشعل تكهنات بشأن ارتباط رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بأجندة ''الإخوان المسلمين''، هذه الجماعة التي لا يمكن لأي مراقب إلا ملاحظة هجومهم المنظم، وعبر كل المحاور، ضد السعودية، لذا لم يكن مناسبا للقرضاوي أن يدخل في هذه اللعبة السمجة، أضف إلى ذلك أن دعوة القرضاوي لا تختلف عن دعوة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في القضية ذاتها، بل ربما كانت الوزيرة الأمريكية أكثر كياسة عندما أكدت أن هذه قضية داخلية والمجتمع هو من يقرر المناسب بها.
أما إذا أحسنّا النية واعتبرنا دعوة القرضاوي بريئة تماماً، فلا نفهم لماذا أصر الشيخ على أن تكون دعوته علنية، وهنا لا نجد غضاضة من التساؤل: لماذا أغفل القرضاوي كثيراً من القضايا الجدلية بل التي هي من الكبائر والمحرمات المتفق عليها، وتجري كل يوم وليلة على بعد أمتار من مقر سكنه في العاصمة القطرية، واختار الدخول في قضية محلية لمجتمع بعيد عنه كل البعد، هل أعطانا فضيلته سبباً موضوعياً وحيداً لهذا التناقض حتى نحسن النية بدلا من الدخول في تفسيرات لا تليق بمكانته واحترامه اللذين يكنهما له الكثيرون، وأولهم مسؤولو هذا البلد؟
تصرُّف القرضاوي ربما كان سيمر مرور الكرام لو صدر من غيره ممن لا مكانة لهم بين علماء المسلمين، أما وقد اختار الشيخ أن يكون هو لا غيره مَن يقوم بذلك، فهو هنا اختار أحد أمرين لا ثالث لهما، يريد من خلالهما تسجيل هدف وحسب، الأول اعتقاده أنه بات من المكانة والسلطة والقوة، حيث يحق له التدخل في أي قضية كانت، والثاني: أن يتكسب شعبيا عندما يعزف على وتر مطلب شعبي، وفي الحالتين لن يخسر أبدا، لكننا نقول للشيخ الفاضل: دعوتك لا تليق بك ولا للبلد الذي أحسن استقبالك كلما حللت ضيفا عليه، وأهدافك لن تحقق أيا منها. عُد عن هذا يا شيخ، فالتناقضات لا تليق بمكانتكم، والسعودية لا تستحق هذه المزايدة المكشوفة!
المصدر: المختصر للأخبار يوم الخميس 7/12/1432هـ -3/11/2011م العدد3708
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق