ظاهرة .... وأية ظاهرة .... ظاهرة تعاني بها المسلمون جميعا رجالا ونساء ، معلما ومتعلما، جاهلا ومثقفا ، تاجرا ومؤظفا، مدنيا وريفيا إلا من رحمهم الله تعالى. ظاهرة أوصى بها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بأنها أول ما تحدث في هذه الأمة . ظاهرة يكثر السؤال عنها في المجالس الدينية ، ظاهرة ضيعت روح الصلاة ... نعم! هذه الظاهرة ...تسمى ظاهرة "ذهاب الخشوع في الصلاة" وأنا أول ما أعاني به من بين سائر الناس ، ولما أنني جلست بين العامة وسمعت أسئلتهم فرأيت أكثر هذه الأسئلة تدور حول هذه الظاهرة ، فقمت بتقديم هذا الموضوع في حلقتين في البرنامج الديني على إذاعة الكويت ولما أنني مكلف بترجمة المادة التي تبث على الهواء مباشرة لتقديمها إلى وزارة الإعلام الديني فقمت بترجمتها وها أنا أقدمها إلى صوت التيمي علها تفيدني وتفيد الإخوة الآخرين وإليكم هذه المادة :
ماهذا الفرح والسرورحينما نري الوجوه النيرة يروحون ويغدون إلي المساجد فيهم كبار السن والشباب والأطفال ولكن السوال هل نؤدي نحن حق الصلاة ولو ذهبنا إلي المساجد؟ سوال ينبغي التأمل عليه،أكثرنا عند بدأهم الصلاة يذهب كل مذهب في الفكر لا خشوع فيها ولا طمانينة أليس من المؤسف أن نصلي ولا يقبل الله صلواتنا ، نعم ! فإن بعض المصلين تدعو عليه صلواته وتقول : “ضيعك الله كما ضيعتني ” بل القرآن يقول ” فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ”
وهل فكرت يوما لم هذا ؟ لأن الصلاة يناجي فيها العبد ربه ويقدم إليه طلبه ولكن الشيطان الذي هو عدو الله منذ بدأ الإنسانية كيف يرضي أن يترك الإنسان يناجي ربه فأقسم بالله ” ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين ” الأعراف 16- 17
ما هو الخشوع؟
إخوتي وأخواتي في الله ! هل تعرف ما هو الخشوع ؟ أصل الخشوع كما قال ابن رجب” لين القلب ورقته وسكوته، وخضوعه، وانكساره ، وحرقته. فإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح ، والأعضاء لأنها تابعة له”
و يقول السيد أبو الأعلي المودودي ” المعني الحقيقي للخشوع الإنقياد والإستسلام وإظهارالعجز والخضوع وهذه الكيفية لها علاقة بالقلب وبالجسم ، أما خشوع القلب أن يكون الإنسان خائفا من هيبة أحد وعظمته وجلاله وخشوع الجسم إذا ذهب أمامه ينحني الرأس، يتخلخل الجوارح، ينخفض البصر، يخفت الصوت وتظهر عليه جميع آثار الهيبة التي يمكن أن يطرأ عليها فطريا إذا قدم الإنسان إلي حضرة صاحب الجلال والجبروت والمراد بالخشوع في الصلاة هذه هي الكيفية للقلب والجسم وهذه هي روح الصلاة ”
لم هذا التناقض؟
كم من أناس اليوم من يرتكب الأعمال السيئة مع أداءهم الصلاة و الله سبحانه وتعالي يقول ” إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر ” لم هذا التناقض ؟ لأنهم لاشك يصلون ولكن صلاتهم لاروح فيها لا خشوع ، ولاحضور قلب وبالطبع إذا كان القلب بيت خرب والروح مشغولة في الأمور الدنيوية فما الفائدة بحركة الجسم ؟ وكيف ينطبع عليه أثر الصلاة والحالة هذه مع أن الخشوع في الصلاة من الأهمية بمكان حيث علق الله سبحانه وتعالي الفلاح عليها فقال : ” قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ” كما هو أول ما يرفع من هذه الأمة يقول النبي صلي الله عليه وسلم ” أول ما يرفع من هذه الأمة الخشوع ، حتي لا تري فيها خاشعا ” رواه الطبراني في الكبير واسناده حسن وهو في صحيح الترغيب رقم 543 وقال: صحيح
فوائد الخشوع :
من أهم فوائد الخشوع في الصلاة أنه يخفف أمر الصلاة علي العبد ويجد فيها لذة العبادة يقول تعالي ” وإنها لكبيرة إلا علي الخاشعين “ وليس هذا فحسب بل هي سبب لطمانينة القلب وانشراح الصدر وإذا حصل الخشوع في الصلاة تبدأ الأعين تبكي ، والقلوب تقشعر ، ويحصل الإستغراق الكامل في العبادة ،
الخشوع والنبي صلي الله عليه وسلم
انظروا في سيرة حبيبنا وسيدنا محمد – فداه أبي وامي – كيف حصل له النصيب الوافر من الخشوع تقول صديقة بنت صديق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ” كان النبي صلي الله عليه وسلم يلاطفنا ونلاطفه فإذا أذن المؤذن فكأنه لايعرفنا ولانعرفه “
وأخرج الإمام ابودؤد من حديث عبدالله بن الشخير رضي الله عنه قال : أتيت رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء
الخشوع والسلف
يمكن يتساءل أحد ويقول هو رسول الله ، ولسنا مثله فانظر إلي سير الصالحين تجد في سيرتهم العجب العجاب في هذا الباب ،
هذا زين العابدين علي بن حسين رضي الله عنه عندما يفرغ من الوضو يقشعر بدنه بين الوضو والصلاة فلما سئل عن السبب قال : ويحكم أتدرون إلي من أقوم ومن أريد أن أناجي (حلية الأولياء 3/133)
وابراهيم التيمي اذا سجد جاءت الطيور وجلست علي ظهره .
وكان ابن زبير إذا قام في الصلاة كأنه عود من الخشوع .وكان محمد بن بشار يصلي في المسجد فانهدم طائفة منه فقام الناس وهو في الصلاة لم يشعر.
وكان علي بن أبي طالب إذا حضرت الصلاة يتزلزل ويتلون وجهه ، فقيل له : مالك ؟ فيقول : جاء والله وقت أمانة عرضها الله علي السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملتها .
كيف تخشع في صلاتك ؟
والآن بقي لنا أن نتساءل كيف تخشع في صلاتك ؟ فالذي يعين علي الخشوع شيئان أحدهما يتعلق عن خارج الصلاة والآخر يتعلق عن داخل الصلاة فالذي يتعلق عن داخل الصلاة توحيد الله سبحانه وتعالي في ألوهيته وربوبيته وأسماءه وصفاته ، والإخلاص وحضور مراقبة الله ، والمتابعة الكاملة للرسول صلي الله عليه وسلم ، والقيام بالمامورات والإجتناب عن المنهيات ، والتجنب الكامل عن الأكل الحرام واللباس الحرام ، ومصاحبة الخاشعين في الصلاة ، والإكثار من الدعاء من الله سبحانه وتعالي –
وأما الوسائل التي تتعلق عن داخل الصلاة
إستعد للصلاة :
كالترديد مع المؤذن والإتيان بالدعا بعد الأذان ، والدعاء بين الأذان والإقامة ، وإتقان الوضومع استحضارفضله، والتسمية قبله والذكر والدعاء بعده ، والإعتناء بالسواك ، وأخذ الزينة باللباس الحسن النظيف –فإذا فعلت ذلك فأني للشيطان أن يقربك وأني له أن يدخل عليك بوسواسه?
عندما توجهت الي المسجد تذكر البشارات التي بشرها النبي صلي الله عليه وسلم للذين يروحون ويغدون إلي المساجد حيث لم يخط خطوة إلارفع الله به درجة وحط عنه بها خطيئة فإذا وصلت المسجد انتظر الصلاة وتذكربأن الملاكة تدعو لك وتقول ” اللهم اغفر له وارحمه” مالم تحدث –
ابتعد عن كل ما يشغلك :
قبل أن تدخل في الصلاة ابتعد عن كل ما يشغلك سواء كان أمامك أو ما تلبسه أوما تسجد عليه بأن تختار مكانا هادئا خاليا من الزخارف والألوان فعن عائشة رضي الله عنها قالت قام النبي صلي الله عليه وسلم يصلي في خميصة ذات أعلام فنظر إلي علمها فلما قضي صلاته قال : إذهبوا بهذه الخميصة إلي أبي جهم بن حذيفة وأتوني بأنبجانية ، فإنها ألهتني آنفا في صلاتي (رواه مسلم)
وكذلك إذا اشتهيت الطعام أو حضرك البول أو الغائط تفرغ منهما قبل الدخول في الصلاة ففي الحديث ” لا صلاة بحضرة الطعام ولا وهو يدافعه الأخبثان ” ، فالمهم ابتعد عن جميع مايمكن أن يشغلك في صلاتك ويذهب خشوع صلاتك ، ثم استقبل القبلة ، وقم بتسوية الصفوف واملأ الفراغ في الصف ولاتتركه للشيطان ، ولاتنسي السواك قبل الدخول في الصلاة فإنه مطهر للفم ومرضاة للرب ،ولأنك تذهب تناجي ربك ،
تخيل ذات الله :
ثم ترفع يديك حذو منكبيك أو حيال أذنيك وقل ” الله أكبر” وتخيل ذات الله سبحانه وتعالي بمن بيده ملكوت كل شيء ، بمن الأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه فإذا تألق الخيال بمثل هذه المعاني فإن الخشوع سيمتلك قلبك
تذكر الموت :
تذكر الموت في الصلاة وصل صلاة مودع ففي الحديث “أذكر الموت في صلاتك ، فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحري أن يحسن صلاته ، وصل صلاة رجل لايظن أنه يصلي غيرها الصحيحة 1421 ، وفي هذا المعني وصية النبي صلي الله عليه وسلم لأبي أيوب رضي الله عنه “إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع ”
تصور بأنك تري الله :
تصور في صلاتك بأنك تري الله سبحانه وتعالي وهذا أعلي درجة الإحسان كما في الحديث ” الإحسان أن تعبدالله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ”
تأمل في الآيات والأذكار تفاعل معها :
فالشخص الذي يقرأ ولا يتدبر ، ينتشر فكره ولايلتذ بقراءة الآيات ولذلك يقول ابن جرير رحمه الله ” إني لأعجب ممن قرأ القرآن ولم يعلم تأويله (اي تفسيره ) كيف يلتذ يقراءته ”
تذكر بأنك تناجي ربك:
تذكر وأنت في الصلاة بأنك تناجي ربك والله سبحانه وتعالي يجيبك في صلاتك ، ففي الحديث ” قال الله عزوجل : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ماسأل، فإذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين قال الله : حمدني عبدي، فإذا قال : الرحمن الرحيم ، قال الله : أثني علي عبدي ،فإذا قال : مالك يوم الدين ،ةقال الله : مجدني عبدي ، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين ، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل ، فإذا قال: إهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم غيرالمغضوب عليهم ولا الضالين ، قال الله : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ” (مسلم)
إطمئن في صلاتك :
وكان النبي صلي الله عليه وسلم يطمئن حتي يرجع كل عظم إلي موضعه وأمر بذلك المسيء صلاته وقال له ” لاتتم صلاة أحدكم حتي يفعل ذلك ” (أبوداؤد)
تنوع في السور والآيات والأذكار والأدعية:
فالتنويع في السور والآيات والأذكار والأدعية في الصلاة أكمل في الخشوع ،
تعوذ بالله من الشيطن الرجيم :
فالشيطان عدو لنا ومن عداوته قيامه بالوسوسة للمصلي كي يذهب خشوعه ويلبس عليه صلاته، ولمواجهة كيد الشيطان أرشدنا النبي صلي الله عليه وسلم إلي العلاج ففي صحيح مسلم عن أبي العاص رضي الله عنه قال – يارسول الله ، إن الشيطن قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي ، يلبسها علي ، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم ” ذاك شيطان يقال له خنزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل علي يسارك ثلاثا ” قال : ففعلت ذلك فأذهبه الله عني ”
واظب علي الأذكار بعد الصلاة :
مما يعين علي تثبيت الخشوع في الصلاة الإهتمام بالأذكار الواردة بعد الصلاة ، والمواظبة علي أداء الصلوات الخمسة بالجماعة وإهتمام السنن الراتبة والنوافل –
جعلنا الله من الخاشعين والخاشعات في الصلاة آمين يارب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق