ثناءاللہ صادق تیمی
هناك مبادرات وتطورات تحمل فى
طياتها أسباب السرور والسعادة فيما يبدو غير أنها تسبب مشاكل وفواجع لا تكون فى
الحسبان وذلك لأن هذه المبادرات تتجاوز حدودها والتطورات تخرج من دائرتها شوتصل إلى مالا يجدر بها الوصول
إليه. وحينئذ يندم الإنسان على ما شعر بتواجده السرور والتذ السعادة بمجرد إحساسه.
ويتمثل هذا في المفكرين المسلمين الذين عنوا بالتعليم والثقافة وأحرزوا الفوز
الباهر في ميادينهم الخاصة ثم إنهم تبادروا إلى العناية بالدين فهما وعملا. حملت
هذه المبادرة إلى المسلمين أشعة جديدة وغمرهم الفرح ولكنها مالبثت ان انقلبت إلى
الأسف و الحيرة. لأنهم جعلوا يتجاوزون الحدود فبدلا من أن يعتمدوا على العلماء فى
شرح النصوص الدينية من القرآن والسنة, أنهم مالوا إلى الأخذ بناصية الأمر, فجعلوا
يشرحونها حسب فهمهم وكثيرا ما يخطئ الفهم إذا لم يكن مقيداً بفهم السلف الصالح وعارفا
بأصول الشرح ومبادئه.
ومما لاشك فيه أن هولاء
المفكرين يملكون بعض المهارة فى العلوم الحديثة من التكنالوجيا و الهندسة والطب
وما إليها و أنهم يعشون حياة رغيدة هنيئة, يسبقون العلماء الإسلاميين فى بعض
الأمور ولاسيما الشئون الدنيوية ولهم رسوخ فى السياسة واعتبار فى المجتمع. فكلما
تميل هذه الطبقة المثقفة إلى الدين عملا به و فهما يسر به المجتمع المسلم ويمرح به
مرحا. يجلها ويكرمها و يكثرمن ذكرها و يرجومنها خيرا كثيرا على مستويات الدين
والدنيا و هذا بديهى ولاشك فى أنه أمر يجلب الفرح والسرور.
ولكن المشكلة التى تقلق بال
المخلصين وتكدر صفو حياتهم هى تجاوزهم حدودهم وظنهم فى أنفسهم ظنونا تدفعهم إلى أن
يشرحوا الدين بما يبدو لهم وأنما يشرحونه لابد من أن يعتبربه. ابتلئ بهذه الطبقة
المثقفة العالم الإسلامى كله غير أن شبه القارة الهندية ابتليت بها أكثر. ولأجل
ذلك تكثرهنا الانحرافات التعبيرية والمشوشات الفكرية وحماقات ظاهرها الشعور
وباطنها السفاهة.
فهل لهذه الظاهرة أسباب أم أنها
بدون أسباب؟؟؟ إذن تقتضى المشكلة أن نأخذها بعدة جوانب تفتح حقيقتها ويمكن الوصول
إلى الحل.
العلماء وشرح
الدين: العلماء
ورثة الأنبياء يعرفون الكتاب والسنة. بالإضافة إلى إلمامهم بجهود المحدثين
والفقهاء وفهمهم مبادئ الدين وأسراره, فهم يستحقون شرح الدين وتوضيح النصوص
ومازالت الأمة المسلمة تعتمد على العلماء بهذا الخصوص ولكنهم لما يخالفون النصوص
القرآنية و السنن النبوية الواضحة للحفاظ على هويتهم الفقهية وانتماءاتهم السياسية
فى شرح الدين وأحكامه وكثيرا ما يحدث هذا. فإن هذه الطبقة المثقفة تفقد الاعتماد
على العلماء وصورتهم الصافية تشوه لديها شيئا فشيئا وحينئذ يجترؤن على أن يشرحوا
الدين بأنفسهم بدون أن يسئلوا العلماء ويرجعوا إليهم.
كذلك يخطئ العلماء حينما لا
يلتفتون إلى الآراء الصائبة والرؤية العلمية المفيدة والإشارات ذات الجذور العميقة
يتقدم بها هولاء المثقفون إليهم, فهم يظنون فى العلماء ظنونا سيئة من اللاعقلانية
إلى الرجعية وما إليها ويفهمون خطأ بأنهم أجدر من العلماء بشرح الدين و توضيح
النصوص. ثم إنه كل من يتفرغ فى المدرسة العلمية يظن أنه عالم يقدر على شرح الدين
وتوضيح الأحكام مهما كانت مقدرته العلمية و فهمه للنصوص !!!
فلا بد للعلماء من محاسبة
أنفسهم وتحسين سلوكياتهم وفتح أذهانهم وقبول الآراء الصائبة, كذلك إن الطبقة
المثقفة فى حاجة ماسة إلى الاعتراف بقصورها وتجاوز حدووها ويجب عليها أن تفهم بأن
شرح الدين وتفسير النصوص ليس أمرا سهلا, أنه يتطلب عمقا وصلاحيات ودراسات متأنية
لمبادئ الدين وأصوله وما يتفرع منه, وذلك لا يوجد إلا لدى العلماء الأكفاء. فإنهم
إن رؤوا بعض الزلات عند العلماء فعليهم أن
ينبهوهم على أخطاءهم كشأننا مع المهند سين يخطئون بعض الأحيان فى العمارة. فهل
يعقل أن نسلب من المهندس منصبه ونقوم بالهندسة بأنفسنامع أننا لسنا من مهرة
الهندسة؟؟؟
المفكرون و شرح الدين: هناك رجال فى هذه الطبقة عرفوا مبادئ الدين
وأصوله وطرق استخراج المسائل بالإضافة إلى شعورهم بالقضايا المتجددة الحديثة وهم
رحمة للمجتمع المسلم ومتاع كريم لايستهان به, ولكن معظمهم كسبوا المهارة فى
ميادينهم الخاصة, لايعرفون الدين فى مبادئه وطرق استخراج مسائله وأصول التشريع وهم
عرفوا ما عرفوا من الدين عن طريق الترجمة لا بالمصادر الأولوية من القرآن والسنة.
ولهذه الطبقة فرقتان. فرقة حسنت نيتها وهى مخلصة فى خدمة الدين والمجتمع, تريد أن
تعطى المجتمع المسلم خيرا وتجنبه شرا. فإنه من الضرورى أن يمد إليها يد العون
والمساعدة وأن تشجع جهودها بالإضافة إلى تصحيح خطأها وإرشادها إلى الطريق السوي
المستقيم بالحكمة والموعظة الحسنة واستخدامها ضد العقول المنحرفة المضلة التى
لاتسمع إلا لأصحاب العلوم الحديثة المثقفين. وعلى هذه الفرقة المثقفة أن تبذل
قصارى مجهوداتها لتعرف أصل الدين وتقوم بنشره وذلك بواسطة العلماء المخلصين
والاستفادة من مناهجهم الوسطى بالإضافة إلى الدراسة العميقة للقرآن والسنة وإلا
فإن زلة فى هذا الطريق تدفع بالإنسان إلى مالا يحمد عقباه.
وهناك فرقة أخرى لهذه الطبقة المثقفة وهى ماكرة
مستأجرة. باعت دينها وإيمانها وتتبحر بعقلها وعلمها.
كل مالديها من المعرفة والشعور إنما هو جهل وكبرياء
وغرور. أنها تريد أن تتلاعب بالنصوص الشرعية فتقوم باختبار الأحكام الدينية حسب
عقولهم الرهينة وتجترأ على شرح النصوص وتوضيح الأحكام بطرق غريبة لا تلاءم مع
مواقف السلف من الصحابة والتابعين. إنها فرقة ماكرة واهية. تنقب المجتمع المسلم
مستمدة برخاءها فى الحياة وتطوراتها فى التسهيلات الدنيوية. فلا بد من اتخاذ الحذر
ضدها ولكن العاطفية أو الشدة لاتغنى من الأمر شيئا. إننا نحتاج إلى أن نشعر
بواجبنا تجاه هذه الفرقة وأعمالها التخريبية وذلك يتطلب منا التركيز على عدة أمور.
أولها أن نحسن نظامنا التربوى لكى لا تفسد على جيلنا هذه المحاولات الضالة وثانيها
أن نستخدم الطلبة المثقفة المخلصة للرد على هذه المجهودات بالإضافة إلى تأهيل
العلماء بالمواهب العلمية حتى يستطيعوا بها الرد على هذه الأفاعيل الماكرة متخذين
وسايل ممكنة متوافرة فلو أننا قمنا بواجبنا, فإن الله سيقوم بوفاء وعده. إن
تنصرواالله ينصركم ويثبت أقدامكم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق