شخصية الحاكم بأمر الله لا تقل غموضا وإثارة عن العديد من الفاطميين الذين دخلوا مصر ..اعتلى الحكم وهو في الحادية عشرة من عمره، الرجل مثل أسطورة كاملة ما زالت تغري الكثيرين بقراءتها، رغم كل هذه القرون التي مضت، فيما يراه البعض آخر الحكماء الأقوياء في الدولة الفاطمية، كما يرونه مثالا لرجل الحكم القوي والحاسم ويعيبون عليه إفراطه في العنف والقتل،ولكن العنف كان مبرراً في إطار صورة كلية للأوضاع التي سادت والوقيعة الكبيرة التي جرت بين المشارقة والمغاربة، وأذكاها المتنافسون في السيطرة على الدولة استغلالا لحداثة عمر الخليفة الحاكم، وكان صعود نجم كبير الخدم برجوان أبرز ملامح تلك المرحلة حيث كان الآمر الناهي بينما توارى الخليفة في الظل، وبقي في مرحلة المراهقة يمارس اللهو واللعب، وبرجوان يحرك كل شيء في الدولة حتى اعتقد أنه على مقربة من إزاحة الفاطميين، ولكن الحاكم وفي سن الخامسة عشر من عمره انقلب على ذلك الوضع وتمكن من البطش بكبير الخدم وكل المتنافسين على موقعه،وخلال بضع سنوات اتخذ العديد من الإجراءات الإصلاحية، وظهرت عليه ملامح الزهد والحكمة.قام الحاكم بأمر الله بإصدار العديد من المراسيم التي وصفت بالغرابة، ومنها قراره بمنع أكل الملوخية وبعض الأكلات الأخرى، ولكن أهم محورين في سياسته كانا السياسة المضطربة مارسها مع أهل الذمة، وإصراره على العدل وعدم الغش في المعاملات التجارية، وكان بنفسه يجوب الأسواق ويوقع الأحكام الفورية التي اتصفت بالمغالاة في القسوة والعنف، وكانت حياته أيضا تمضي في حالات كثيرة من التوتر لذلك كان من عادته أن يلجأ للعزلة في جبل المقطم، وفي واحدة من الليالي سجل اختفاؤه الذي ما زال غامضا حتى الآن وإن يكن من المرجح أنه لقي مصرعه نتيجة مؤامرة حاكتها شقيقته ست الملك، وتوفي وهو في السادسة والثلاثين من عمره سنة 1021 م .
والحاكم بأمر الله المنصور أول خليفة فاطمي يولد في مصر عام 375 هجري،985م ، وحكمها من 996 إلى 1021.. واتسمت فترة حكمه بالتوتر، نظرا لأفعاله العجيبة حيث اهتم بعلم النجوم، وأنشأ مرصدا واتخذ بيتا بالمقطم يعتزل فيه عن الناس ويخلو لمخاطبة الكواكب ..خافه أهل مصر، وكان يحتجب أياما كثيرة ولا يحضر مجالس الجدل.أجمع المؤرخون على أن شخصيته غريبة متناقضة، وكان كثير التلون في أقواله وأفعاله، بدت عليه علامات تناقض، تارة يتجه لأمور الدين، فيأمر ببناء مدارس، وإكرام علماء التفوا حوله وأحبوه، وفجأة يأمر بهدم المدارس، حتى انه أبطل صلاة العيدين والجمعة، و منع صلاة التراويح عشر سنين ثم أباحها، ثم أمر بسبّ الصحابة وكتابة ذلك على جدران المساجد والشوارع، ثم اصدر قرارا بإلغاء ذلك.وفرض العمل ليلاً والنوم نهاراً، وأمر بتحويل ليل القاهرة إلى نهار، فأشعلت المصابيح لتتم المعاملات في الليل، وما لبث أن ألغى هذا الأمر، وعاد الظلام تارة أخرى، منع الغناء وحرّم أكل الملوخية لأنها أكلة معاوية بن أبي سفيان المفضلة والزبيب والجرجير.ومنع الناس من تناول السمك الذي لا قشر له، وحرم ذبح العجول، وأمر بقتل الكلاب، حظر على النساء الخروج من بيوتهن، وعندما بحثت النساء عن وسائل اخرى للخروج. منع بناء شرفات للبيوت كي لا تطل منها النساء.وزاد بأن حظر على صانعي الأحذية صناعة أحذية للنساء، وسمح للباعة بحمل البضائع وبيعها للنساء في بيوتهن من وراء حجاب.كان عجيب السيرة يطرح أموراً غريبة، منها أنه أمر المسيحيين أن يحملوا في أعناقهم الصلبان، واليهود أن يحملوا في أعناقهم قطعا من الخشب، وأن يلبسوا العمائم السوداء.والى الحاكم بأمر الله ينسب تأسيس المذهب الدرزي، الذي بدأ ت دعوته بشكل سري عام 400 هجري .. الذي يحفظ للحاكم مكانة مقدسة عام 408هـ، ،وقد أثارت دعوة الحاكم اضطرابات واسعة في مصر. وانتهت بمصرعه على الارجح عام 409هـ بعدما خرج على عادته ليلا إلى جبل المقطم ولم يعد ولم يعثر على جثته.
هناك تعليق واحد:
اللهم لا تسلط علينا مثل هولاء الحكماء آمين
الأخ الفاضل ! جزاكم الله خيرا على هذا الموضوع القيم وجعل ذلك في ميزان حسناتكم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ،
إرسال تعليق