الاثنين، أكتوبر 22، 2012

توفيق الحكيم في ضوء مسرحياته


محمد سليم اختر التيمي
جامعة اللغة الإنكليزية و اللغات الأجنبية،حيدراباد

الدكتور توفيق الحكيم ولد في الإسكندرية سنة 1898م من قرية "الدلنجات"بمديرية البحيرة،وكان أبوه كان مشتغلا في سلك القضاء ،و كانت أمه تنتمي إلى التركي و تعتز بعنصرها التركي أمام زوجها المصري.
   وأن توفيق الحكيم قضت حياته الطفولية مع أترابه الفلاحين كالأطفال الآخرين في القرى،وأنه لما بلغ السابعة من عمره ألحقه أبوه بمدرسة "دمنهور"الابتدائية،فانه شرع الاختلاف إلى هذه المدرسة الابتدائية،واستفاد من علمائها و اساتذتها البارعين استفادة تامة،وأنه لما أكمل تعليمه الابتدائي،فكر أبوه في إرساله إلى القاهرة للالتحاق بإحدى المدارس الثانوية حيث كان عماه وعمته،ولكن هذا البعد عن أسرته أتاح له شيئا من الحرية،فانتهز الفرصة الثمينة هذه،و أخذ يهتم بالتمثيل و الموسيقي و التوقيع على العود و الاختلاف إلى فراقه المختلفة،و في هذه الفترة أتم تعليمه الثانوي و التحق بمدرسة الحقوق نزولا عند رغبة والده الذي كان يود أن يراه قاضيا كبيرا أو محاميا شهيرا،وأمضى فيها سنوات وتلقى علوم الحقوق من كبار أهل العلم و العرفان،و تخرج فيها سنة 1924م،و خلال دراسته في هذه المدرسة قرء الكتب المسرخية و عنى بالتأليف المسرحي عناية بالغة نحو المرأة الجديدة و الضيف الثقيل و علي بابا،إلا أن أبويه كانا له بالمرصاد،فلمارأياه يخالط الطبقة الفنية، صمم على إرساله إلى باريس لنيل شهادة الدكتوراة،و هناك أمضى أربع سنوات ،و درس فيها تحت إشراف العلماء الأجلاء، و تخرج فيها، و حصل على شهادة الدكتورة سنة 1928 م ،وفي هذه الفترة أنه لم يعكف فيها على دراسة القانون ،بل إنما عكف على قراءة القصص و روائع الأدب المسرحي في فرنسا و غير فرنسا،أنه لما حصل على شهادة الدكتوراة عاد من باريس إلى وطنه العزيز ليقوم بأمنية أبويه الكريمين العطوفين.
مسئولياته و مناصبه: وأن القائد الحكيم لما رجع إلى وطنه الحبيب ،وظف في سلك القضاء وكيلا للنائب العام في المحاكم المختلفة بالإسكندرية ثم المحاكم الأهلية، وفي سنة 1924 م انتقل الحكيم من السلك القضائي ليعمل مديرا للتحقيقات بوزارة التربية و التعليم و ظل بها إلى سنة 1939 م، ثم تحول إلى وزارة الشئون الاجتماعية للقيام بمسئولية المدير لمصلحةالإرشاد الاجتماعي،وبعد ذلك استقال توفيق الحكيم من الوظيفة العمومية ليعمل في جريدة "أخبار اليوم"التي نشربها سلسلة من مسرحياته ،وظل في هذه الصحيفة حتى عاد من جديد إلى الوظيفة ، و عين مديرا لدارالكتب الوطنية سنة 1951 م، و رئيس اللجنة العليا للمسرح بالمجلس الأعلى للفنون و الآداب سنة 1966 م ، ومديرا للجنة فحص جوائز الدولة التقديرية في الفنون ، و رئيسا لمجلس إدارة نادي القصة ،كما أنه انتخب رئيسا للهيئة العالمية للمسرح، وعضوا في المجلس القومي للخدمات و الشئون الاجتماعية، ورئيسا للمركز المصري للهيئة العالمية للمسرح و ما إلى ذلك من المسئوليات والمناصب العظيمة.
أعماله الأدبية:جنبا لجنب هذه المسئوليات المهمة أن الأديب الأريب توفيق الحكيم ألف مجموعة من المسرحيات و الروايات و القصص في الأدب العربي ،و يبلغ عددها أكثر من السبعين ،وعد بهذه الخدمات الجليلة أديبا بارعا و مفكرا عظيما و أبا المسرح في العالم العربي و رمز الفكر الحر و قلم الأدب الإنساني الجديد.ومن أشهر تأليفه و تصنيفه : محمد صلى الله عليه و سلم(سيرة حوارية) و عودة الروح (رواية) و أهل الكهف (مسرحية) و شهرزاد (مسرحية) و يوميات نائب في الأرياف (رواية) و عصفورمن الشرق (رواية) و تحت شمس الفكر (مقالات) و أشعب (رواية) و عهد الشيطان (قصص فلسفية) و براكسا أو مشكلة الحكم (مسرحية) و راقصة المعبد (رواية) و حمار الحكيم (رواية) و سلطان الظلام (قصص سياسية) و من البرج العاجي (مقالات) و بجماليون (مسرحية) و سليمان الحكيم (مسرحية) و الرباط المقدس (رواية) و الملك أوديب (مسرحية) و مسرح المجتمع (مسرحية) و الأيدي الناعمة(مسرحية) و لعبة الموت (مسرحية) و السلطان الحائر (مسرحية) و شمس النهار (مسرحية) و غير ذلك من الكتب الأدبية الكثيرة.
جوائزه الثمينة:قد أسلفت القول في السطور السالفة أن الدكتور توفيق الحكيم كان أديبا بارعا و صاحب قلم سيال ألف في الأدب العربي مجموعة من المسرحيات و الروايات و القصص و غيرها، و قائدا عظيما قاد الأمة الإسلامية بالحكمة ،و مسئولا مخلصا قام بمسئولياته و مناصبه بصدق و أمانة في المجالات المختلفة ،وهذه الخدمات العظيمة دفعت الأتباع والأعداء إلى الاعتراف بها و الإعجاب بها.فنظرا إلى هذا منحته الجوائز الثمينة الكثيرة تقديرا لما بذله من الجهود في كل مجال من المجالات المختلفة ،على سبيل المثال:
قلادة الجمهورية سنة 1957 م
جائزة الدولة التقديرية في الآداب سنة   1960 م
قلادة النيل سنة  1975 م
الدكتورة الفخرية من أكاديمية الفنون  1975 م
أطلق إسمه على فرقة (مسرح الحكيم)في عام 1964 م حتى 1972 م
أطلق إسمه على مسرح محمد فريد اعتبارا من عام 1987 م
ميزة أسلوبه الكتابى:توفيق الحكيم كان رمز الفكر الحر و قلم الأدب الإنساني الجديد و مجددا في الأدب العربي،و كان واسع الثقافة و المعرفة و قوي الشخصية و شديد الرأى و واضح البيان،وله قدرة فائقة على تأدية المعاني في لفظ جزل رصين،وأسلوبه الكتابي متصف بالجمل الطويلة على حسب المعاني و أسلوب الترسل وصلة الجمل و اللغة البسيطة و دقة التعبير و جمال الصياغة و قوة التأثير و إصابة المعاني و الألفاظ العامة و الفصاحة و البلاغة و السلاسة و السيولة.
      أبرز ميزة أسلوبه الكتابي أنه صور في كتبه الأدبية الأحوال الاجتماعية و النفسية و السياسية تصويرا دقيقا ،و وصف المناظر و الحوادث وصفا غريبا ،و قص القصص الفرنسية و الأساطير الإغريقية بصورة لا توصف و عندما نقرءها لا نشعر بمرور الأوقات.وكل ما كتبت عنه ليس بمفاجأة لمن قرءوا كتبه الأدبية.
منهجه الكتابي في المسرحية:أبوالمسرح توفيق الحكيم منذ حداثة سنه كان مولعا بالموسيقي و التمثيل و الاختلاف إلى فرقه المختلفة،و كان لديه رغبة أكيدة أن يكون أديب وطنه القصصي و المسرحي، فلتحقيق هذا أنه اهتم بذلك اهتماما بالغا خلال دراسته في القاهرة و باريس ،و عكف على قراءة القصص و روائع الأدب المسرحي في فرنسا و غير فرنسا،و طالع ثقافات العصور الغابرة و المعاصرة بإمعان الفكر و تدقيق النظر و إطالة الروية،و شغف بالموسيقي الغربية شغفا شديدا،ورأى أوربا تؤسس مسرحها على أصول المسرح الإغريقي ،فركز عنايته إلى هذا المسرح يدرسه و يتقن درسه كل تركيز ،كما أنه درس القصص الأوربية و مدى تمثيلها لروح أقوامها و أحوالهم النفسية و الاجتماعية،و وعى ذلك كله وعيا دقيقا، و ألف في سنة 1922 مجموعة من المسرحيات مثلت بعضها فرقة عكاشة على مسرح الأزبكية،منها :المرأة الجديدة و الضيف الثقيل و علي بابا ولكن هذه المحاولات كانت محاولة ناقصة.
     وأن توفيق الحكيم لم يقنط من رحمة الله عز و جل ،ولم يستسلم أمام الهزيمة ،بل إنما هيأ نفسه لمواجهة المشكلات و المصائب كل تهيئة ، و واصل جهده و محاولته كل مواصلة كصعود النمل على الجدار،وواظب عليها مواظبة ،وعرف أصول الغربي و تلقن أسسه عند الإغريق و الفرنسيين،وطالع الأساطير الإغريقية و الفرنسية بالتفكر و التدبر،وألف مجموعة من المسرحيات و الروايات و القصص في مختلف الموضوعات النفسية و الاجتماعية و السياسية و الدينية ،و صور فيها تصويرا دقيقا ريفنا و كيف أهله لا يفهمون مدلول القانون  و كيف يتعسف الحكام في حكمهم مبينا عيوب النظم الإدارية و القضائية و التشريعية،ووصف فيها الحوادث و الأشخاص وصفا واقعيا حيا،كما أنه بين في مسرحياته أن قوة تسيطر على الإنسان ،فهو لا يعيش وحده في الكون ،بل إنما يسيطر عليه قوة إلهية علوية ،توجهه و توحى إليه ، و تدفعه يمينا أو شمالا، و توفيق الحكيم في ذلك يخضع للروح الشرقية المتدينة التي تؤمن بالتقوى الغيبية المهيمنة على الناس.
     و أن توفيق الحكيم عد بهذه الخدمات المسرحية الجليلة أبا المسرح و أحد مؤسسى فن المسرحية و الرواية و القصة في الأدب العربي الحديث في العالم العربي. و من أشهر مسرحياته : أهل الكهف و شهرزاد و سليمان الحكيم و مسرح المجتمع و لعبة الموت و بجماليون وشمس النهار و غيرها من المسرحيات الكثيرة.هناك استعرض مسرحيته الفكاهية الرائعة "شهرزاد" بالإيجاز و الاختصار:
شهرزاد: هذا الكتاب كتاب قيم فكاهي مشتمل على الحوار، محيط بـ 198 صفحة ، و أسلوبه رائع جذاب و عبارته متصفة بأحسن التعبيرات و التشبيهات النادرة و كثرة المعاني في قلة الألفاظ و قوة التأثير و جمال الصياغة و جودة الكناية و الفصاحة و البلاغة و السلاسة و السيولة. و في هذا الكتاب طريق التكلم لطلاب اللغة العربية ، و درس للعاشقين و المعشوقات ، و عبرة لأولي الأبصار.
     وهذه المسرحية مأخوذة من الأساطير الفارسية التي تبين أن كتاب ألف ليلة و ليلة قصص قصتها شهرزاد  على زوجها شهريار، و ذلك أنه فاجأ زوجته الأولى بين ذراعي عبد خسيس، فقتلهما  ثم أقسم أن تكون له كل ليلة عذراء،يبيت معها،ثم يقتلهما في الصباح انتقاما لنفسه من غدر النساء، ذات يوم حدث أن تزوج بنت أحد وزرائه "شهرزاد"، و كانت ذات عقل و دراية و قوة الذاكرة و الذكاء الحاد، فلما اجتمعت به أخذت تحدثه بقصصها الساحر الذي لا ينضب له معين ، وكانت تقطع حديثها بما يحمل الملك على استبقائها في الليلة التالية لتم له الحديث، إلى أتى عليها ألف ليلة و ليلة ،و رزقت في نهايتها بطفل جميل منه ،فأرته إياه و أعلمته حيلتها فاستعقلها و استبقاها .
    وأن هذا الكتاب المسرحي منقسم إلى سبعة فصول .ففي الفصل الأول جرى الحوار بين الساحر و الجارية و جلاد الملك و عبد أسود و عن شأن الملك و ما يقال عن خبله ، و كيف يذهب إلى كاهن لحل بعض ألغازه ،و نسمع بوزير قمر ، ويتراءى لنا العبد مثالا للبوهيمية التي تقبع في داخله ،إذ يرى عذراء مع الجلاد،فيقول "ما أجمل هذه العذراء و ما صلح جسدها مأوي" (شهرزاد صـ 17) و يتحول متسائلا عن شهرزاد.
     وفي الفصل الثاني جرت المحادثات و المفاوضات بين الوزير مع الملكة في قاعتها ، وهذه المحادثات تشير إلى أن الوزير يحبها محبة العابد لمعبوده لا محبة العاشق لمعشوقته ،فقد سما بعواطفه إزاءها سموا بعيدا ، وهي تعرف ذلك و تعبث به و كذلك الحوار بينهما حتى جاء شهريار من الساحر كاسفا مقهورا مفكرا باحثا عن شئ ، منقبا عن مجهول، و حاولت شهرزاد أن تسترده من قلقه و حيرته ،و قالت له : أتدري لماذا دعوتك ؟ بي شوق إلى مطالعة عينيك، اقترب مني يا شهريار....! إني جسد جميل و قلب كبير ....! فقال شهريار: سحقا للجسد الجميل و القلب الكبير....(شهرزاد صـ41،44) وكذلك جرى بينهما حوار طويل.
       و في الفصل الثالث نجد الملك شهريار مع الساحر و قمر مصمما على الرحيل في أطراف العالم، و أن الوزير قمر يحاول محاولة كبيرة أن ينصرفه عن عزمه إلى الرحيل قائلا: "هل يحسب مولاى ،لو جاب الدنيا طولا و عرضا، و أنه يعلم أكثر مما يعلم و هو في حجرته هذه " (شهرزاد صـ59) أن شهرزاد أيضا تسعى كل سعى أن تميله إليها و تنصرفه عن جوبة أقطار العالم قائلة :" إن رجلا بقلبه قد يصل إلى ما لا يصل آخر بعقله"(شهرزاد صـ68) ولكنه يصمم على الرحيل حتى يتحرر من عقال المكان.
    و الفصل الرابع يرحل الملك شهريار مع وزيره قمر و يجري بينهما محادثات و مفاوضات. و في الفصل الخامس تلتقي شهرزاد بالعبد الأسود رمز الشهوة الجسدية وتنغمس في إثم الخطيئة رغم أسود لونه ووضيع أصله و قبيح صورته و منبته ، و في الفصل السادس يدخل شهريار مع وزيره "خان" أبي ميسور ، و يعلمان فيه خيانة شهرزاد و ترتجف نياط قلب العابد الولهان قمر،ونظرا إلى هذا الارتجاف سأل الملك شهريار:"ما هذا الوجه الشاحب يا قمر !... ترتجف كالمحموم ،فقال قمر : (في ثوران) احذر أن تخاطبني هكذا بعد الآن ! احذر أن تقول لي ما قلت بعد الآن ! أنت لا تفهم ... إنما أنا انا أنظر إلى الملكة كما ينظر المجوس إلى ضوء النار "(شهرزاد صـ 89،90) جرى بينهما حوار طويل و خلال الحوار قال شهريار لقمر لآ تخف اغتفر لك كل شئ . و في الفصل السابع يعود شهريار بمولاه إلى شهرزاد ، لعله ينتقم من زوجته و عبدها الخسيس و لكن شهريار قد تحول و أصبح فكرا محضا ، فلا ينتقم .

ليست هناك تعليقات: