الاثنين، مارس 21، 2011

عنوان الكتاب : نقد الفراهي
مؤلفه : د. محمد رضي الإسلام الندوي، الهند
نقد وتعريف بالكتاب : الشيخ محمد عزير شمس، مكة المكرمة
تعريب : علاءالدين عين الحق المكي، دولة الكويت

كان الشيخ حميد الدين الفراهي ( 1863-1930م ) عالما ومفكرا شهيرا. وكان فريد عصره في مجال التفسير وعلوم القرآن في شبه القارة الهندية، قضى حياته كلها في فهم كلام الله عز وجل وتدبر معانيه، قام بتقعيد القواعد و تأصيل نظرية خاصة بنظم القرآن وترتيبه، فوضع أصولا وقواعد لها. وبالتالي قام بتفسير بعض السور أيضا في ضوء هذه الأصول، وكتب كتبا عديدة باللغة العربية لفهم القرآن الكريم مثل "مفردات القرآن" و" أساليب القرآن "وإمعان في أقسام القرآن والتكميل في أصول التأويل ودلائل النظام ومقدمة تفسير نظام القرآن وغيرها. ومعظم كتاباته يوجد ناقصا، وغير مرتب ولم يتم نشره إلى الآن.ولم يكن مؤلفا بالمعنى المعروف، مع ذلك أوجب على نفسه أن يقوم بتجديد العلوم والفنون الإسلامية كلها. ومن عادته أنه كان يسجل نتائج تفكيره وآرائه عن جميع الموضوعات ولكن بدل أن يتناول الموضوع تناولا شاملا يروي الغليل ويشفي العليل وأن ينهيه إلى نهاية ما، يشير إليه إشارات خفيفة ويتركه ناقصا بدون إتمام ثم لا يجد الفرصة في حياته لإكماله.
أتباع الفراهي وتلامذته بصفة عامة - مثل كل شخصية كبيرة - أصيبوا بالمغالاة في شأنه والإفراط في مدحه، ويحسبونه أكبر إمام في التفسير وعلوم القرآن في العصر الحاضر’ ولا يبالون بأي مهما كان شأنه في مقابله، ولا يسمحون لأحد أن ينتقده ، وفي الجانب الآخر نرى مخالفيه يخالفون نظريته في التفسير بالشدة ويرون أن التتبع للنظم القرآني والبحث في الترتيب بين السور شيء لا يرجع بفائدة ولا يجدي، ويرون الاجتهاد والسعي في هذا الباب ينبني على الظن وفي المقابل يراه الشيخ الفراهي بأنه قطعي ولابد منه في تفسير الآي القرآنية و يعتبره الفصل في حل الخلاف في التفسير. ومن وجهة نظر المخالفين أن مثل هذا التتبع والبحث والاجتهاد بدل أن يتيسر الوصول به إلى التفسير الصحيح والقضاء على الخلاف كما يدعي الفراهي، يفتح المزيد من أبواب الخلاف، وموقفهم في هذا الباب أن المنهج الصحيح في تفسير القرآن أن ينظر إلى الآيات الأخرى الواردة في نفس المعنى في مكان آخر ويستدل بالأحاديث الصحيحة الواردة في هذا الباب لفهم القرآن ويستند إلى آثار الصحابة والتابعين الثابتة كذلك- رضي الله عنهم أجمعين_ فأي تفسير جاء مخالفا للحديث النبوي والسنة الصحيحة الثابتة فهو باطل لا يلتفت إليه سواء كان مستنده على اللغة العربية أو على العقل والاجتهاد، وقد ناقش شيخ الإسلام ابن تيمية _ رحمه الله تعالى _ هذه المسألة مفصلا في كتابه " جواب الاعتراضات المصرية " جدير بالاطلاع عليه.
وكتاب وهو "" النقد الفراهي "" الذي بين أيدينا فقد أنصف الكاتب مع الشيخ الفراهي فيه وابتعد في انتقاده له عن الإفراط والتفريط في شأنه وانتقد الفراهي و نظريته التفسيرية المعروفة انتقادا علميا رصينا، وهذا الكتاب يشتمل على خمسة مقالات:
· فالمقال الأول يبحث في تفسير سورة الفيل الذي ناقش فيه الكاتب عجائب وغرائب الفراهي التي أتى بها في تفسير هذه السورة، ودرس جهده الذي بذله في مخالفة التفسير المشهور في السورة ، مستشهدا بكلام العرب وذكر أسباب وقوعه في هذا الخطأ وأورد عدة اعتراضات وإشكالات على هذا التفسير، وأثبت أنه كيف الفراهي بنفسه خالف نظريته المعروفة التي تبناها نفسه، وكان قد كتب عدة من العلماء والمفسرين في الرد على هذا التفسير بالاختصار، وهنا قد فصل الكاتب القول في هذا الموضوع واختار الأسلوب العلمي القوي المتبني على الأدلة والبراهين، وقد سبقه في هذا الانتقاد فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني ( ..- 1966 م ) فإنه كتب في الرد عليه باللغة العربية مفصلا وتوجد نسخة خطية له في مكتبة الحرم المكي الشريف بمكة المكرمة، حققه الدكتور محمد أجمل الإصلاحي_ آمل أن يتم طبعه قريبا. إن شاء الله تعالى
· والمقال الثاني يحتوي على مناقشة موقف وآراء الشيخ الفراهي من الروايات التفسيرية ووضح فيه أنه ما أعطاها تلك الأهمية التي تستحقها، ومما يتعجب منه أنه مع ذلك يستند إلى الروايات الضعيفة المخالفة للنظم القرآني حينا، وأحيانا لا يراعي الصحة والدقة في نقل الرواية، أو لا يستنبط منها استنباطا صحيحا، أو لا يذكر المفهوم الصحيح له، وضرب الكاتب أمثلة عديدة على ذلك.
· والمقال الثالث عبارة عن فهم الفراهي للحديث النبوي، وذكر فيه موقفه من الحديث النبوي أولا، ثم تطرق إلى كتاب له في الحديث ما استطاع إكماله ثم استعرض مدى استفادته من الحديث في المفردات والأساليب والنظم القرآني في شرح وتفسير الآيات، وذكر منهجه المختار في نقل أحاديث النبي_ صلى الله عليه وسلم_ ثم وصل إلى أنه كيف يقبل الرواية الضعيفة التي لا يمكن قبولها في بادئ النظر فحسب بل تعتبر مخالفة لنظم القرآن أيضا، كذلك يخطئ في الاستدلال ببعض الأحاديث وينكر الأحاديث الصحيحة في عدة أمكنة، كما ينفي صحتها كذلك وقدم الكاتب الأمثلة لهذا كله من كتبه بل ذكر فيه آرأء تلميذه الرشيد الشيخ أمين أحسن الإصلاحي في عدة أمكنة التي خالف شيخه فيها.
· ويشتمل المقال الرابع على التعريف بكتاب غير كامل في موضوع الحديث يسمى بأحكام الأصول، وعلى عدة اقتباسات منه، و حصل عليه الكاتب في رسالة علمية، وقد نشرت هذه الاقتباسات بدون نقد وتعليق لكي يستفيد منها القارئ لأن أصل الكتاب لم يتم طبعه بعد.
· والمقال الخامس الذي يحمل عنوان "" تاريخ مناسك الحج "" والذي يشتمل على الاستعراض العلمي لآراء الفراهي والسيد سليمان الندوي وغيرهما في مسائل السعي بين الصفا والمروة ورؤيا إبراهيم عليه الصلاة والسلام التي رآها عن الذبح وأصل رمي الجمار ومخالفتهم لأقوال جماهير العلماء وتفردهم بالرأي المختار عندهم في هذه المسائل ثم نقدهم للأحاديث الصحيحة، كما يشتمل على جمع الأدلة في تأييد موقف العلماء الأجلة وعلى الرد في شبهات وتأويلات الفراهي و من شابهه، ثم ألحق بآخره مقالا في الرد على نقده.
وهذا الكتاب عرض و تحليل لموقف الفراهي من التفسير والحديث ونموذج ممتاز للنقد العلمي المعتدل لفكره، والمؤلف هنا في الحقيقة يستحق التهنئة على نشره لهذا الكتاب، كما نرجو منه أن يستمر في عرض نظريات تفسيرية وحديثية للشيخ أبو الكلام آزاد والشيخ المودودي والشيخ أمين أحسن الإصلاحي والشيخ عبد الماجد الدريا بادي والشيخ وحيد الدين خان وغيرهم من المفسرين والمفكرين المعروفين، حتى تعم ظاهرة النقد البناء ويفرق الناس بين الانتقاد والانتقاص من الذات ولا يكونون محصورين في دوائرهم الخاصة ، وأسرى لأئمتهم وآرائهم.

ليست هناك تعليقات: